No Script

خواطر تقرع الأجراس / قل و... قل

تصغير
تكبير
قل: ضفرتْ شعرَها. وقل: جدَلتْه وجدَّلتْه.

قال المتشددون:لا تقل جديلة بل ضفيرة. فالجديلة هي القبيلة والرهط، والناحية، والحال والطريقة، وقَفَصٌ يُصنع من القصب ونحوه للحمَام. وجديلة: اسم لقبائل عدة من العرب. وركِبَ جديلةَ رأيِه: أي «عزيمتَه» تذكروا هذه الكلمة!

حقاً لا يوجد في معاجمنا القديمة والحديثة جديلة الشَّعر بمعنى الضفيرة. والضفيرةُ خُصَلٌ من الشعر منسوجٌ بعضُها على بعض بثلاث طاقات فما فوقها. وضفرَ الشَّعرَ، وغيرَه، جعلَه ضفائر. والضفير: حبل من الشَّعر. «دققوا في هذا المعنى»! فلننظرْ في معاني مادة «ج د ل»: جدَل، واجتدَلَ الغلامُ، «وولدُ الظبيةِ وغيرها»: «قوِيَ» (تذكروا العزيمة). وجدَلَ الشيءُ: صلُبَ. وجدِلَ الحبلُ أو غيره: أُحكِمَ جدْلُه فهو مجدولٌ وجديل، بمعنى«قويٌّ وصُلْبٌ». وجدَل الحبلَ وجدَّله: أَحكَمَ جدْلَه. ورجلٌ مجدول الخَلْق: محْكَمُ الفتْل. وجَدَل الحَبَّ في سُنْبُلِه:«قوِيَ». وساعدٌ أجدل أي قويٌّ وكأنه منسوج العضلات مفتولُها بقوة. وكذلك ساق جدلاء. ودرع جدلاء، أي منسوجة الحَلَق أو الزَّرَد «بإحكام وقوة». والأجْدَل هو الصقر. و«الشديد القوي». أي اسم وصفة معاً. والجَدالة: الأرض «الصّلبة». والجديل هو الزِّمام «المفتول» من جلد أو شَعر.

نلاحظ أن «الشِّدّة والقوة والصلابة (والعزيمة- العزم)، والفتْل بإحكام...» هي القاسم المشترك الأعظم بينها!

ولنأتِ الآن إلى الجِدال والمجادلة؛ فالفعل جدَله: غلبَه في الجَدَل. وجادله مجادلة وجدالاً: تخاصما على سبيل المنازعة والمغالبة. وجدِل جدَلاً: «اشتدّت» خصومتُه. وإنه لَجَدِلٌ: شديدالخصام.

ألا تجدون معنى فتْلَ الحبل والشَّعر والزِّمام والساعد والساق، ونسْجَ الدرع المُحْكَم الحَلَق والصلابة والعزم... في معنى الجدَل والمجادلة؟ ألا يحاول كل متجادل أو مجادل أن «يفتل» صاحبَه عن رأيه بشدة وعزيمة، حتى لو كانت المجادلة «بالتي هي أحسن»؛ فقوة المنطق، وشدة الحجّة في المجادلة مع صلابة الرأي تغلبان الرأي الضعيف، غير المفتول أو المجدول بإحكامٍ بقواعد المجادلة!

وألا ترون (الجديلة) مُحْكَمةَ نسجِ الشعرات متَّصفةً بالشدة والقوة والصلابة والعزيمة؟ أليست جدائل الشَّعر كالحبال المفتولة القوية؟

لماذا لا تضيف معاجمنا الحديثة مادة جدَلَ الشَّعرَ: ضفره. والجديلةَ: الضفيرة. والجمع الجدائلَ كضفائر. وتقول: مُحْدَث؟

ونعيد التذكير ببعض القرارات المهمة للمجمع اللغوي بالقاهرة في البند الأول:

- فتْح باب الوضع للمُحدثين بوسائله المعروفة من اشتقاق، وتجوُّز، وارتجال.

- الثالث: تحرير السماع من قيود الزمان والمكان؛ ليشمل ما يُسمَع اليوم من طوائف المجتمع...

اسمعوا ياسادة نشيد فرقة جذور العاشقين، الفلسطينية وهي تغني للأبطال والشهداء:

«زغردي يَمُّ الجدايلْ زغردي، دونكِ الزيتونةْ عَ سفح الجبلْ، لوِّحي وسْط المنايا وارصدي، دربَ النّشامى اليومْ جاييكِ البطلْ»!

أليس المغنون من طوائف المجتمع؟

* شاعر وناقد سوري
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي