No Script

ببساطة

حوسة سياسية...

تصغير
تكبير

تسارعت موجة التصعيد النيابي - التي بدأت نهاية الشهر الماضي - باستجواب وزير التجارة، وبعد عبوره نفق الاستجواب وجلسة طرح الثقة، جاء الإعلان عن استجواب نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، الذي لم يقدم حتى الآن، إلا أن الإعلانات النيابية عن نوايا الاستجوابات توالت بعدها، فقد تم الإعلان عن نية بعض النواب تقديم استجواب لوزير الإعلام، وآخر لوزير المالية، وأخيراً لرئيس الوزراء، كما تم تقديم طلب استجواب نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، الذي يفترض أن يدرج على الجلسة المقبلة لمجلس الأمة.
هذا التسابق النيابي لتقديم الاستجوابات، لا يمكن تفسيره على أنه «تصعيد انتخابي» فقط، فرغم القناعة بأن الفصل التشريعي على مشارف النهاية ولا بد للنواب من تلميع صورهم أمام ناخبيهم، خصوصاً أن هناك تذمراً شعبياً واضحاً من أداء هذا المجلس، لكن بالنظر للوضع السياسي القائم يبدو أن الموضوع أعقد من أن يتم حصره في التكسب الانتخابي، فالحكومة - كما يبدو - تعاني داخلياً من عدم الانسجام، حيث بدا ذلك واضحاً أثناء استجواب الروضان، إذ صرح أحد النواب بأن هناك أعضاء في الحكومة خلف هذا الاستجواب، كذلك التصريح المثير للنائب رياض العدساني بأننا اليوم أمام حكومتين في مجلس الوزراء، في إشارة واضحة لانعدام الانسجام داخل الحكومة، لذلك لا يمكن أن نُخرج تلك الاستجوابات المتتالية من سياق الأوضاع العامة والوضع الحكومي المفكك، فهل تلك الاستجوابات جاءت بتوجيهات حكومية - كما روّج بعض النواب في استجواب الروضان - أم أن النواب استشعروا ذلك التفكك الحكومي وقرروا استغلاله؟
كذلك لم يقتصر التصعيد النيابي على الاستجوابات، فهناك دعوة من النواب للاعتصام في ساحة الارادة من أجل الضغط لتمرير قانون العفو الشامل، وبعيداً عن التوقعات بنجاح أو فشل ذلك التحرك، إلا أن مثل هذه التحركات تعني انتباه النواب - وإن جاء متأخراً - لأهمية تشكيل رأي عام ضاغط لتمرير القوانين، وهذا ما ناديت به مراراً وتكراراً منذ بداية هذا الفصل التشريعي في العام 2016، فالمجلس من دون دعم شعبي لا يمكنه أن ينجز أي قانون في ظل سيطرة الحكومة على جميع مفاصل العمل البرلماني، لذلك قد يكون الضغط الشعبي هو مفتاح التغيير في موازين القوى، أما بالنسبة لقانون العفو الشامل على وجه الخصوص، فأتمنى ألا يكون القانون مفصلاً ليفيد فئة دون الأخرى، بل يجب أن يشمل جميع قضايا الرأي والتجمعات التي ذهب ضحيتها المئات من شباب هذا البلد، فبهذه الطريقة يمكن للنواب كسب الرأي العام والحصول على أكبر قدر ممكن من التأييد.
نحن اليوم أمام «حوسة» سياسية، فالوضع السياسي منفتح أمام جميع الاحتمالات، فالحكومة قد تتمكن من اجتياز تلك الاستجوابات في حال توحدت وتضامنت... وهي تمتلك غالبية برلمانية مريحة تمكنها من اجتياز تلك الاستجوابات، إلا أن أزمتها الداخلية «إن استفحلت» قد تحول دون ذلك، من ناحية أخرى... قد تجد الحكومة نفسها أمام مجلس يخشى أعضاؤه انقلاب الناخبين عليهم في الانتخابات المقبلة، فتجد نفسها مضطرة للاستقالة بحجة عدم تعاون المجلس، فيأتينا الحل المبكر لمجلس الأمة، وأخيراً قد ترى الحكومة أن أنسب الحلول هو التدوير أو التعديل الوزاري أو حتى الاستقالة قبل الاستجوابات، وإعادة التشكيل الحكومي من جديد، فأي طريق ستسلك هذه الحكومة؟
طالما كتبت في مقالاتي عن سوء المنظومة السياسية والدمار الذي يسببه العمل الفردي في الحياة السياسية، وقد كان للحكومة ونهجها نصيب الأسد من الانتقادات بسبب استمرارها على النهج السابق نفسه، واعتمادها على أسلوب الترضيات والمحاصصة السياسية وانعدام الرؤية والإرادة السياسية لديها، وأكاد أجزم أن ما نعيشه اليوم من «حوسة» سياسية سببها الرئيسي هو ذلك الخلل، ولن يأتي الحل إلا باعتراف الحكومة بهذا الخلل وقبولها بإصلاح هذه المنظومة وتغيير النهج الذي دمر العمل السياسي.

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي