No Script

بوح صريح

اترك الخلق للخالق

تصغير
تكبير

يهوى الناس الكلام عن غيرهم كلما اجتمعوا. وكأنهم لا يتقنون الحديث عن أنفسهم. وإن فعلوا يكون عبر الحديث عن فلان وعلان «الحش». إن تناول حياة وأعراض وأسرار الناس من أكثر شرور مظاهر انحطاط المجتمعات. وبعد أن يتحدثوا ولا يتركون تفصيلاً إلا وتناولوه بالتحليل والتعليق والسخرية يقولون: «اترك الخلق للخالق».
ولقد جمّل الإعلام، الورقي والبصري والتكنولوجي بأنواعه، هذه المسألة كثيراً لدرجة تخصيص برامج لها، للحديث عن حياة الفنانين والمشاهير، ملابسهم، سياراتهم، كلابهم، موظفيهم، خدمهم، بيوتهم، طعامهم وحتى الذين يغسلون لهم أسنانهم ويرشون لهم عطورهم. لقد وصلنا إلى هذا الحد من الكسل والاتكالية واستعباد الناس، تحت شعار مسمى حياة الترف والمال.
ثم أصبحت ميزة رسمياً، مع هجمة وسائل التواصل، من انستغرام وسناب وغيرهما. فأصبح ليس فقط المشاهير، بل التافهون أيضاً، يصورون لنا ماذا يرتدون ويأكلون وكيف يعيشون وأين يذهبون. حتى يقدموا لنا مادة الحديث عنهم على طبق من فضة. وكأنه يقول: لا داعي أن تبحث وتتعب نفسك، أنا أقدم لك مادة الحش جاهزة. تفضل!


في المقاهي والمطاعم والنوادي والأسواق. كل مكان أوجد فيه، أنظر حولي فأرى الرجال والنساء على حد السواء يتكلمون عن آخرين غير متواجدين معهم. ماذا فعلوا وماذا قالوا. مع إضافة بهارات التحليلات والتأويلات المصاحبة للكلام، ما يؤدي إلى المغالطات ونشر سوء الفهم والإشاعات. وهو أمر سلبي جداً وله أضرار عديدة على المجتمع والناس، نفسية واجتماعية وأسرية وفردية.
الأمر المؤسف حقاً هو أن الكلام أحياناً يتطور للتطرق إلى أمور خاصة وحساسة، كالأسرار بين الأزواج، أو أمور الحمل أو الشرف والعلاقات والغرام أو السهر والسفر، وأمور حساسة لا يجوز الكلام فيها أو التنبؤ والظن بشأنها. ببساطة لأنها تجلب المزيد من الكلام والمشاكل المصاحبة للتأويلات، وأحياناً تؤدي إلى الخلافات الحادة بين الأهل والأزواج.
لكن ما السبيل لترك هذه العادة السيئة او الحد منها والتحكم فيها على الأقل. ببساطة، التدرب على اقتصار الحديث عن المجتمعين الحاضرين أنفسهم، من دون جلب الغائبين في الحديث وإن حدث سهواً، التنبه لذلك وتغييرالحديث. ونصح الآخرين لفعل المثل. وحينها يكون «ترك الخلق للخالق» حقيقة لا ادعاء.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي