نافذة... الأمل / ابدأوا بثقافتكم

1 يناير 1970 02:24 م
كلام كثير عن السلام نسمعه يومياً، ولا نرى غير الحروب والقتل والدمار، ودعوات كثيرة تنطلق في أكثر من مكان في العالم، لكن الأذن تسمع غير ما ترى العين، فالصورة التي نراها على شاشات التلفزيونات تطغى عليها ملامح البؤس، ونبحث عن الفرح فنجده بصعوبة. لا أتكلم عن الفرد إنما عن المجتمعات والدول، فالفرد قد يحتال على ظروفه ويفرّح نفسه، لكن لا نستطيع أن نهرب من الصورة العامة التي تحبط الكثير من الناس وتتسبب بالكآبة للكثير من الناس العاطفيين الذين لا يحتملون مشاهد الحرب. والجديد الذي يفرح ويدعو إلى السخرية في الوقت نفسه هو المؤتمر الذي اختتم مطلع الشهر الجاري في مقر الامم المتحدة، وهو مؤتمر دولي رفيع المستوى حول «ثقافة السلام» شاركت فيه غالبية الدول الاعضاء بالمنظمة الدولية.

نفرح لأن حصول المؤتمر يذكر العالم بالسلام وأهميته، والمضحك أن عدداً من الدول المشاركة تشارك في الحروب، بشكل مباشر أو غير مباشر. فعلينا ألا نسأل عن الذي يحمل السلاح فقط، إنما أيضاً عن الذي أعطاه السلاح أو باعه أو حرضه أو بث فيه روح الحرب. فعندما أشار رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة مونز لوكوتوفت، الذي ترأس الفعالية، إلى أن «العام الماضي شهد أسوأ الصراعات في العالم، بما فيها العراق وسورية واليمن وجنوب السودان»، فإنه ربما ذكر الأماكن الأكثر عنفاً، لا كل ما يحصل من عنف في العالم، فالعنف صار مرضاً مستشرياً في أنحاء مختلفة من العالم و«يؤدي إلى موت وأذية مئات الآلاف من السكان وإلى تشريد الملايين».

وعلينا ألا نغرق في حساب القتلى والجرحى والمشردين فقط، وننسى الثقافة التي تدفع بمجرمي الحرب إلى احتقار الناس والجماعات وقتلهم، لأسباب عرقية أو طائفية أو مذهبية. وإلا من أين يأتي كل هذا القتل السهل والدمار المخيف والتوتر المتصاعد والتهديد والوعيد لولا تلك الثقافة التي يعتمدها المحاربون.

وأوضح لوكوتوفت أن العنف «غالباً ما يترافق مع استخدام الدين والمعتقد كمبرر له»، وهذا أخطر من أي استخدام آخر، لأن الدين أقوى في المؤمن من أي ثقافة أو أخلاق أو أعراف، وإذا استخدم كسلاح كان أكثر فتكاً من أي سلاح آخر، وإذا استخدم كثقافة للتسامح وقبول الآخر صار أفضل طريقة للتخلص من العنف. لذلك يركز الكثير من المثقفين على مسألة التخفيف من العنف عبر تصويب الثقافة الدينية، واعتماد الدين كحاجة للتقرب من الله وعباده الصالحين، والتعامل مع الدين كثقافة سلام وتعايش لا ثقافة حرب، فنركز على كل ما هو إيجابي في التعامل مع الآخر، ونعطي فرصاً كثيرة قبل استخدام أي سلبية يمكن أن تكون فتيلاً يفجر العلاقات بين البشر. فهناك حروب كثيرة في التاريخ قامت تحت شعارات دينية، لكنها انتهت بالكوارث، ولم تكن لصالح دين أو مذهب، حتى لو انتصر سلاح على سلاح، فكل الحروب لم تؤدِّ إلا إلى أسوأ الحالات لا أفضلها. فثقافة السلام هي الثقافة التي تعرف كيف تنزع بذرة العنف من حقول ثقافتنا. التحدي الذي يواجهه العالم اليوم لا أن نقول «ثقافة سلام» أو «ثقافة حوار» أو «تسامح وقبول الآخر»، إنما علينا أن نضع خططاً وأفكاراً واضحة من أجل تخليص العالم من العنف أو التخفيف منه على الأقل. ولو أن الدول المشاركة في هذا المؤتمر الدولي بدأت بنفسها قبل أن يلقي مندوبها كلمتها في هذا المقر الدولي، لانتهى جزء كبير من العنف، وتغير لون العالم.

وقال لوكوتوفت إن التحدي الذي يواجه الأمم المتحدة والدول الأعضاء هو كيفية بناء ثقافة السلام واللاعنف في عالم اليوم، متسائلا «كيف يمكن تعزيز التقارب بين الثقافات والشعوب».

ليتنا نبدأ بأنفسنا ونروض وحش الكراهية والعنف الذي يلتهم كل شيء جميل فينا، فنفقد أجمل ما يميزنا انسانياتنا!

«الناس يتعلمون الكراهية، واذا كانوا قادرين على تعلم الكراهية، ينبغي السعي لتعليمهم الحب، لأن الحب أقرب الى قلب الإنسان من الكراهية» نيلسون مانديلا

* كاتبة كويتية

Amal.randy@yahoo.com