رأي مالي / اليابان والفائدة السلبية: حين يخاف «الساموراي» من «التنين»!

1 يناير 1970 10:15 ص
علامات التعب بدأت تظهر على الاقتصاد الأميركي

الخطوة اليابانية تمهد لتنافس عالمي على تخفيض العملات
فاجأ البنك المركزي الياباني الأسواق المالية العالمية، باعتماده سياسة الفائدة السالبة، وذلك في وقت تشهد فيه الأسواق المالية حالة من عدم الاستقرار، في ظل تراجع أسعار النفط العالمية، وتَعاظُم الشكوك حول الاقتصاديات الناشئة بما فيها الصين.

وتبنى المركزي الياباني، سعر فائدة قدره ناقص 0.1 في المئة، وهو ما يعني أنه سيتقاضى فوائد على الاحتياطيات الفائضة التي تودعها المؤسسات المالية لديه.

لقد كان قرار المركزي الياباني مفاجئاً جداً، ودفع أسواق الأسهم والسندات العالمية إلى الارتفاع بشكل فوري، كما تسبب في انخفاض سعر صرف الين الياباني بنسبة 2 في المئة، مقابل الدولار.

ويبدو أن معظم المسؤولين في البنوك المركزية حول العالم قلقون، مما يحدث في الصين، وخصوصاً من احتمال تخفيض البنك المركزي الصيني لقيمة اليوان. وتُنبؤ بعض الأصوات بتباطؤ الاقتصاد العالمي في الأشهر المقبلة.

وبدأت علامات التعب تظهر حتى على الاقتصاد الأميركي، خصوصاً بعدما أظهرت البيانات الاقتصادية، تراجعا حادّاً في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في الربع الأخير من 2015، ليصل إلى وتيرة سنوية تبلغ 0.7 في المئة فقط، ومع تواصل التأثير السلبي لارتفاع الدولار على تراجع أسعار النفط، واستمرار ضعف الصادرات وهو ما كبح جماح النمو الاقتصادي.

يثبت القرار المفاجئ الذي اتخذه البنك المركزي الياباني، أن حجم التضخم العالمي لم يعد يشكّل تهديداً، وأن خطر الانكماش العالمي هو الخطر الكبير. وقد يأتي خطر الانكماش العالمي الرئيسي من الصين، فهي تتميز بقدرتها المميزة على تصدير السلع الرخيصة ولا يشكل بالنسبة لها تصديرُ الانكماش من خلال الصادرات الأرخص مشكلةً على الإطلاق. كما أن الخطوة التي اتخذها المركزي الياباني، قد تؤدي إلى تنافس عالمي على تخفيض قيمة العملات الوطنية.

هل يمكن لليابان الخروج بنجاح من دوامة الانكماش؟

لن تنجح اليابان في الخروج من حلقة الانكماش المفرغة التي تعيشها منذ عقود، إلا عندما يتم السماح للين بالتراجع بشكل كبير. لقد كان الاستثمار الأجنبي المباشر المتواصل في الصين أحد الأسباب الخارجية الرئيسية لحالة الانكماش التي تعيشها اليابان، أما محلياً فإن لدى اليابان فائضاً في قدرة التوريد المحلي، وهو سبب محلي آخر للانكماش.

لقد تأخرت اليابان جداً في عملية تخفيض عملتها الوطنية، ومن المفترض أن يؤدي ذلك إلى تراجع سبب الانكماش، وهو الأمرُ الذي سيؤدي للأسف إلى مشكلة أكبر من ذلك بكثير تتمثل في انكماش عالمي. لابدّ من التخلص من النظام الياباني القديم الذي يقوم على مبدأ الادخار، وذلك إذا كانت اليابان تريد حقاً الخروج من الانكماش الذي تعانيه.

وسيؤدي تخفيض قيمة الين إلى حالة تضخم موقتة، وطفرة في الصادرات، ولكن الانكماش سيعود مجدداً إذا استمر مفهوم الادخار واستمرت المدّخرات في التراكم.

وبسبب الحجم المذهل للاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين على مدى العقود الماضية، والاستثمارات اليابانية المباشرة في جميع أنحاء العالم بصفة خاصة، فإن للمنتجين اليابانيين للبضائع القابلة للتصدير المدفوعة بالينّ القوي، أكبر تأثير انكماشي على الاقتصاد العالمي.

وطالما بقي الين قوياً فإن التكاليف التشغيلية المحلية ستبقى باهظة، بالمقارنة مع الصين والدول الآسيوية الأخرى مثل تايلندا التي نجحت في جذب مليارات الدولارات من الاستثمارات اليابانية المباشرة.

تُعتبر الطاقة الزائدة وفائض المعروض من السلع المنتجة مصدراً أكثر أهمية للتهديد الذي يشكله الانكماش في جميع أنحاء العالم. وعلى الصعيد العالمي، فإن كل الاقتصاديات التي تعتمد على الصناعات التحويلية تعمل على تصدير المعروض الزائد إلى بعضها البعض.

إن الاقتصاد العالمي يحتاج للاستهلاك بدلاً من الإنتاج أو بعبارة أخرى، التضخم. لقد أجبر ضعف الين الياباني واليوان الصيني بالفعل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على خفض أسعار الفائدة على أمل تخفيض قيمة عملاتها. بدأ ذلك مع البنك المركزي الأوروبي الذي تنازل عن كبريائه، وقام بتخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى سلبي، ولا يزال الحديث عن مزيد من التخفيضات مستمرا. ثم تبعه في ذلك بعد فترة وجيزة البنوك المركزية في كل من الهند، وأستراليا، وكوريا الجنوبية وبعض دول أوروبا الشرقية.

يبدو من دون أدنى شك أن سياسة بنك اليابان المركزي الجديدة، أطلقت العنان لتنافس دولي على تخفيض قيمة العملات الوطنية في جميع أنحاء العالم، والمزيد آتٍ في المستقبل.

ما الآثار المترتبة على تخفيض قيمة الين؟

سيؤدي أي ضعف غير منضبط للين الياباني إلى تقلّبات مفرطة، وإلى تحركات غير منتظمة في أسعار الصرف التي يمكن أن تكون لها آثار سلبية على الاستقرار الاقتصادي والمالي لاسيما بالنسبة لاقتصاديات دول منطقة اليورو. كما أنه سيؤدي إلى مخاوف لدى السلطات النقدية في جميع أنحاء العالم من أن السياسات اليابانية في المجال النقدي قد تحدّ من القدرة التنافسية للعملات الرئيسية الأخرى، وهو ما يمهّد بالتالي لحرب عملات.

يتمثل أحد الآثار السلبية الفورية المترتبة على اعتماد فائدة سلبية في اليابان في تدفق كبير لرؤوس الأموال اليابانية في الأسواق المالية العالمية تحسباً لمزيد من ضعف الين. وسيكون لهذا التدفق الكبير لرؤوس الأموال اليابانية تأثير كبير على عائدات السندات الحكومية العالمية.

هناك احتمال كبير بأن يؤدي تخفيض قيمة الين الياباني، وتدفق رؤوس الأموال، وتنافس عالمي على تخفيض قيمة العملات الوطنية إلى فقاعة أخرى في الأسواق المالية. إن الين الياباني قوي للغاية، ويجب إضعافه بشكل كبير لتكون هناك فرصة لتوليد تضخم في اليابان.