No Script

خواطر صعلوك

فلسفة خالد الغريب... مو بكيفك!

تصغير
تكبير

في عام 711م دخل المسلمون شبة الجزيرة الأيبيرية، وأصبحت الأندلس بسمائها وأرضها تتشكل وفق رؤيتهم للكون.
كان الزهراوي يجري التجارب الطبية ويخترع أدوات الجراحة ويؤلف الموسوعة الطبية ذات الثلاثين مجلدا، وفي المساء يجلس ليسبح الله في الشارع نفسه الذي كرمته إسبانيا بإطلاق اسمه عليه والقريب من جامع قرطبة.
أما ابن البيطار فكان مشغولاً بعلم النباتات والصيدلة، وجعل من الكرة الأرضية مختبراً يعيش فيه حتى مات من شدة الاستنشاق، وابن فرناس كان يطير فوق رؤوس الجمهور، الذي أصابه الذهول في قرطبة، ونام بعد غروب الشمس من دون أن يفكر في وجبة العشاء، ولم يحضر ابن جبير هذه الفعالية لأنه كان يجوب العالم ويكتب علم الرحلات... وزرياب كان في هذه الأثناء يملأ الدنيا نغما حتى رقصت «المرأة المسلسلة» طربا مع النجوم، ومع الرقص كان ابن رشد قد أخذ بتلابيب الفلسفة اليونانية وهزها لتسير على أقدامها بعد أن كانت تسير على رأسها.


وتحت هذه السماء وفوق هذه الأرض تنكر شاب مسيحي بلباس راهب وطلب مقابلة كبير القضاة بحجة رغبته في دخول الإسلام، وفي المقابلة فاجأ الشاب القاضي وأخذ يشتم الإسلام ورسوله والمسلمين وقرآنهم...«أنتم محتالون وجهنميون» يقول الشاب.
القاضي المسلم فعل المستحيل لينقذ الشاب من العقاب مدعياً أنه مختل عقليا، ولم يكن في مقدور الشاب أن يتصور أن هذا الجهنمي بذل كل المساعي من أجل إنقاذه.
وعندما وصل الأمر للخليفة عقد اجتماعاً بالقساوسة والرهبان، الذين تشكلوا في مربع ناقص ضلع وقال التالي:
«علينا أن نتفق على أن أفعالاً من هذا النوع، والتي تكررت في الآونة الأخيرة، ما هي إلا تعبير ضمني عن الإعجاب بالإسلام».
كانت هذه القصة عندما كان العمل مقدماً على القول في الخطاب التداولي الإسلامي.
إن المراقب اليوم للعالم الإسلامي، سيجد أن قيم العمل أو الفعل تكاد تختفي بينما تنتشر الاقتباسات والأقوال انتشار فيديو فضائحي لفشينستا بين مجموعة مراهقين.
بل إن القول: الكلام كسلوك... انتشر وأصبح يعلو ويحكم في السياق الوطني والخطاب التداولي الديني، وحتى في التنمية تحول الموضوع من نماء وزيادة وإنتاجية وعمل إلى دورات ومحاضرات لا تتعدى مهارات الخطابة وبعض الألعاب الجماعية، والمثقف العربي هو ذلك القادر على حشر مجموعة من المقولات في خطابه من دون الالتفات إلى العمل والتشارك والنزول إلى الميدان والبحث عن الحلول في المشاكل، التي يتم الدوران حولها بالخطابة والكتابة واللقاءات والمناظرات منذ أكثر من مئة سنة.
وأنا هنا لا أقلل من الكلمة أو القول، صحيح إن إمكانية الكلمة تكمن في كونها تكشف الحقيقة، ولكنها أيضا كإمكانية تستطيع أن تخفيها.
لذلك فعلينا أن نكون أكثر حرصاً تجاه السياسيين والمفكرين... والمغردين والمتحدثين والمثقفين، الذين يمتلكون من العجز الواقعي ما يجعلهم يتفوقون في العالم الرقمي ليل نهار، وهم يحدثوننا عن ما ينبغي أن يكون، وكذلك علينا الحذر من أصحاب حقوق الإنسان ودعاة الإنسانية الذين يصدرون الأقوال بحب الإنسانية جمعاء، بينما في واقعهم يكرهون جيرانهم.
صدّقوا العمل...
استمعوا إلى رجل يحدثكم عن رؤية لعمل مزرعة... ولكن صدقوا وصادقوا رجلاً يده ملطخة بالطين، يطلب منكم المشاركة.
كانت هذه عزيزي القارئ فلسفة صديقي خالد الغريب، الذي كلما وجدني أتحدث في موضوع قال لي:
- مو بكيفك...انزل اشتغل ولا تنظر!

@moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي