No Script

نفسياسي

رسالة لسيدي القاضي!

تصغير
تكبير

ليست الحالة الكويتية فريدة من نوعها في وجود دستور جيد يكرس الكثير من الحقوق والحريات، بينما تصدر من المؤسسات التشريعية والتنفيذية ما قد يخالف نص ذلك القانون حرفاً أو روحاً، ولنا في حرمان المرأة الكويتية من حقوقها السياسية لعقود بيد القانون شاهد على التناقض الذي كان بين نصوص الدستور الكويتي الواضحة في النص على المساواة وعدم التمييز بين الناس بسبب الجنس أو غيره، وبين إرادة المشرع الخاضع لأمزجة السلطتين في لحظة زمنية ما.
لكل ذلك ولغيره من الشواهد والأحداث، كان دور القضاء الكويتي الشامخ ممثلا خصوصا بالمحكمة الدستورية، دورا فاعلا في التصدي لبعض التشريعات التي لم تمتثل لما أراده الآباء المؤسسون عند وضعهم دستور 1962، فالعديد من القوانين تم إلغاؤها، أو تفسيرها، بما يعزز من القيم القانونية الأعلى الواردة في نص الدستور وبما يوجه المشرع نحو انضباط أكثر بالمعايير الدستورية عند مباشرة مشاريع القوانين أو إصدارها.
وكأمثلة لما سبق، فإن إلغاء بعض مواد قانون التجمعات وتفسير بعض مواد قانون أمن الدولة الخاصة بتحديد ماهية العمل العدائي ضد الدول المؤثم بالمادة 4 من القانون الرقم 31 لسنة 1970، بالإضافة لتفسير قانون منع الاختلاط بعد اشتراطه فصولا محددة عازلة بين الجنسين، وغيرها من الأحكام، تعبر بشكل صريح عن دور السلطة القضائية في الدفاع عن قيم ونصوص الدستور الكويتي ومن أهمها، في رأيي، تلك النصوص المتعلقة بالحريات العامة والخاصة.


ولعلي لا أكون مبالغا، إن قلت إن الأمر لا يقتصر على دور المحكمة الدستورية العليا، فنظرة متفحصة «للكثير» من الأحكام النهائية والباتة في قضايا تتعلق أساسا بالتعبير عن الرأي انتهت لعدم التجريم والبراءة أو تم استعمال الرأفة في الكثير منها بوقف النفاذ أو الامتناع عن النطق بالعقاب، وذلك وفقا لما هو متاح للقاضي ضمن سلطاته وصلاحياته التي سعدنا بكثير من الأوقات عند تفعيلها، رغم ايماننا العميق بضرورة الغاء جميع عقوبات الحبس في القوانين المتعاملة مع التعبير عن الرأي، باستثناء ما يتعلق بالتحريض «المباشر» و«الصريح» على العنف او المقام السامي لصاحب السمو، ولكن القاضي بالنهاية ملتزم بنصوص تشريعية لا يستطيع تجاوزها.
إننا ندرك أن الخلل في الأساس في ما يتعلق بوجود عقوبات بالحبس في قوانين تتعامل مع حرية الرأي والتعبير هو خلل تشريعي، لا تتحمل السلطة القضائية وزره، فالقوانين الحادة من الحريات قد صدرت مع الأسف من ممثلي الأمة، وقد أجبر نفسي بصعوبة على القبول وعلى مضض بأن تلك التشريعات المعيبة كانت تمثل ضرورة في مرحلة زمنية معينة، إلا أن المسؤولية الأساس تقع مرة أخرى على مشرعينا في إلغاء أو تعديل تلك القوانين بما يعيد للبلاد وجهها الحضاري كبلد متسامح وذي هامش كبير ومتميز من حرية الرأي، فلا يمكن الاستمرار في الوقوف متفرجين على تشريعات تزج بأبنائنا في السجون لسنوات طويلة لمجرد إبدائهم الرأي في سياسات بعض الدول أو نقد بعض الأحداث التاريخية أو ممارسة حقهم الطبيعي في البحث العلمي في قضايا السياسة والدين، وكمثال لتقصير المؤسسة التشريعية الفادح، فإننا نشير لحكم المحكمة الدستورية المذكور أعلاه في تحديد ماهية العمل العدائي، وعدم تحرك المشرعين تجاه تعديل تلك المادة في القانون المشار إليه باستخدام منطوق حكم المحكمة الدستورية مما كان قد ينتج عنه سقوط العديد من القضايا المرفوعة ضد أبناء الكويت حاليا!
إننا في ظل هذا التقصير الفادح من مؤسستنا التشريعية، وهذه القضايا المرفوعة ضد أبناء الكويت، وحتى يأتي جيل جديد من السياسيين يؤمن حقيقة بمركزية الحرية وأهميتها في تطوير مجتمعنا، لا نملك إلا أن نتوجه برسالة لقضائنا الشامخ، لا تدخلا في أعماله وسلطاته، بل استلهاماً لقيمه التي كرسها في الكثير من أحكامه، لاعمال أقصى درجات الرأفة في قضايا الرأي مستخدما ما هو متاح من نصوص قانونية ممكن اللجوء إليها كعدم النطق بالعقاب وغيره.
أما عاد إذا براءة بعد فما يحتاج اقول رأيي... فالأحكام لا تقدح أو تذم...
بس بصراحة... «راح نستانس»!

‏alkhadhari@gmail.com
‏Twitter: @dralkhadhari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي