No Script

تقرير

ترامب و«سي آي إي» وقياس تقدير... المخاوف

تصغير
تكبير
إمكان تصنيف ترامب «الاخوان» كتنظيمٍ إرهابي يمكن ان يشعل التطرّف
في تقريرٍ نشرتْه مجلة «بوليتيكو» الاميركية، يعتقد محللو وكالة الاستخبارات الاميركية ان إمكان تصنيف الرئيس الاميركي دونالد ترامب «الاخوان المسلمين» كتنظيمٍ إرهابي «يمكن ان يشعل التطرّف ويزيد من الإرهاب».

في البداية ثمة نقاط عدة يجب إبرازها في هذا السياق، ليس فقط تلك المتعلقة بتصريحات ترامب وقراراته، بل أيضاً برد الفعل الاعلامي ومن الخبراء ومراكز الدراسات الدولية، الذين أعلنوا الحرب على كل ما يصدر عن ترامب منذ خوضه معركة الرئاسة ضد منافِسته هيلاري كلينتون.

واللافت ان انتخاب ترامب أصبح الشغل الشاغل لأكثر وسائل الاعلام الاميركية وخصوصاً ان الرئيس الاميركي لا يألو جهداً في إبراز تغريدات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي ليثير الجدل ويبقى على ألسنة الاعلام الغربي وكتّابه.

أما قرارات ترامب - وآخرها حظْر دخول رعايا 7 دول اسلامية الى اميركا - فقد هزت العالم بينما هي قرارات كانت موجودة ابان عهد الرئيس السابق باراك اوباما وقد نُفذ جزء منها لمدة معينة تماماً كما كان يريد فعله ترامب.

ولكن هل هذا القرار، الذي أوقف تنفيذه قاضٍ فيديرالي اميركي ونقضه وسمح بدخول المسلمين الذين طالهم قرار ترامب - كان عنصراً مساعِداً للارهاب، كما وصفه الاعلام الغربي؟ وهل تفكير ترامب بحظر جماعة «الاخوان المسلمين» واعتبارها تنظيماً ارهابياً يعزز الارهاب كما تدّعي وكالة الاستخبارات الاميركية والاعلام الغربي؟

اولاً: ان «لائحة الارهاب» الاميركية تخص الولايات المتحدة فقط ولا تعني في أي شكل ان الولايات المتحدة هي مَن يقرر عن العالم مَن هو ارهابي ومَن هو غير ارهابي.

ثانياً: لغاية يومنا هذا لم تستطع الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة ولا المجموعة الدولية الاتفاق على تعريف موحّد للارهاب وتوصيفه. فاختلف الجميع على محتويات صفة الارهاب وخصوصاً «ارهاب الدولة» لانها تطال دولاً عدة وعلى رأسها الولايات المتحدة المتَّهَمة بقتل مئات الالاف من المدنيين في بلدان عدة آخرها العراق وافغانستان.

ثالثاً: ان الولايات المتحدة نفسها تخرق قراراتها و«لائحة الارهاب» المعتمَدة لديها. فاعتبرت تنظيم «أحرار الشام» ارهابياً واستقبلتْ قادته في واشنطن ودعمتْه بالعتاد والسلاح. وكذلك دعا وزير الخارجية الاميركي السابق جون كيري ومن بيروت «حزب الله» اللبناني (الذي تعتبره اميركا ارهابياً) الى التدخل في الحرب السورية. ووصفت إدارة اوباما الجهاديين من القاعدة «بالشجعان» وأرسلت في الوقت عينه الطائرات من دون طيار لاصطياد قادتهم في سورية. وقتلت الولايات المتحدة.

اذاً المعايير الاميركية المزدوجة لا تستطيع إلا ان تصنّف استنسابياً مَن هو ارهابي وغير ارهابي وترفع صفة الارهاب حين تريد وتنفيها حيناً آخر. وهكذا فان وصْف «الاخوان المسلمين» كتنظيم ارهابي او وضْعه على لائحة الارهاب ما هو الا خطوة ابتزازية كغيرها من الخطوات التي لن تدفع «الاخوان» الى حضن الارهاب لانها ليست قضيتهم ولم يختَروا خط المواجهة العسكرية مع الغرب في عقر داره بل نادوا، منذ الـ 1928 ايام حسن البنا وسيد قطب وحتى يومنا هذا باستقلالية المسلمين في بلادهم عن التدخل الاجنبي وسطوته على خيرات البلدان الاسلامية، كما هو الحال الآن بسبب الأوضاع المتأزمة منذ أعوام.

وكيف سيعتبر ترامب دولة اسلامية مثل تركيا - وهي جزء من حلف شمال الاطلسي يوجد على أراضيها أكثر من خمسين قنبلة نووية في قاعدة انجرليك - دولة ارهابية كون قادتها من «الاخوان المسلمين»؟

إذاً حتى ولو كان خيار ترامب بعيداً عن الحكمة ومصلحة اميركا الاقتصادية - السياسية في منطقة الشرق الاوسط واتخذ هذه الخطوة، فان هذا لن يزيد عدد الارهابيين ولن يحوّل «الاخوان» الى إرهاب لانهم لم يمتنعوا عن مسار الإرهاب بمعناه الحقيقي فقط السبب عدم وجودهم على لائحة الارهاب الاستنسابية الاميركية.

وهكذا فان التخوف الذي عبّرت عنه وكالة الاستخبارات الاميركية وتَوقُّعها بأن يزيد قرار ترامب الارهاب بعيد عن الواقع. الا ان قرارات كهذه تبعد الدول عن اميركا وتحدّ من أصدقائها، لان حاكم واشنطن يتصرّف بجهل سياسي لا يُعوَّض بإلمامه الاقتصادي الذي وحده لا يستطيع إدارة دولة ولا تحقيق التوازن في مصالحها وراء البحار، بل يستطيع زيادة الوفرة الاقتصادية، وهذا ما يبدو ان ترامب يسعى اليه.

ان تقرير الـ «سي آي اي» يؤشر الى عدم فهم الادارة الاميركية وأجهزتها للإسلام، في حين ان ليس كل مسلم ارهابياً وليس كل ارهابي مسلماً، وليس كل مسلم متشدداً ينادي بالضرورة باستخدام السلاح وقتل المدنيين دون تمييز، وليس كل مسلم يريد العيش في ظل دولة اسلامية يرفض الديموقراطية وحرية التعبير وممارسة الشعائر الدينية لمجتمع متعدد المذاهب والطوائف. وليس كل مسلم ينتمي الى تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) او «القاعدة» مهما كانت عقيدته راسخة وتَقاطُعه مع أفكار المتشددين في بعض الأماكن والرؤية. فقتْل المدنيين والعزل، والذين لم يعلنوا الحرب، ليس صفة او ممارسة يتبعها الاسلام بل تتبعها الولايات المتحدة في حروبها أكثر من سواها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي