No Script

ضعف إيمان بعض المدربين والمتدربين يدفعهم للهوس بممارسات روحية وترك الفريضة الإلهية

بين الصلاة واليوغا... بحث عن يقظة الروح وسكينة القلب

تصغير
تكبير

بعض الآسيويين وجدوا بعد إسلامهم روحانية عالية بالصلاة تسمو على اليوغا كثيراً

لا يمكن فصل اليوغا عن فلسفتها الدينية الروحية وإلا زال تأثيرها وتلاشى

تعتمد اليوغا على بعض الممارسات الشركية كترديد التعاويذ الشركية والابتعاد عن الأذكار المأثورة

الخشوع في الصلاة يؤدي للطمأنينة والسكون النفسي عندما يقف المسلم بين يدي الخالق

المدربون يروجون لليوغا الروحية كبديل علاجي نفسي وروحي للصلاة

اليوغا تفقد تأثيرها إن سلخت من فلسفتها الروحية


تعددت طرق الاسترخاء النفسي والجسدي أخيراً، في ظل عصر التوتر والضغوط وانتشار الأمراض النفسية. والأزمات التي يمر بها الكثيرون في صخب حياة لم تعد بسيطة كالسابق، ومن هنا تولد الابتكار في طرق الاسترخاء والتخلص من التوتر والضغوط، وكان من بينها اليوغا.
ونتفق جميعا مستندين إلى مرجعية طبية تؤكد أهمية ممارسة الرياضة لصحة العقل والبدن، وجميل أن ننخرط في أنشطة رياضية تمنحنا التوازن الصحي، وتقينا من شر بعض الأمراض التي تأتي من عدم الحركة، ولكن ما شاع في الآونة الأخيرة أن اليوغا رياضة بمعزل عن فلسفتها الروحية، فهو أمر غير صحيح، حيث إنها إن سلخت من فلسفتها الروحية التأملية، وطقوسها لم تعد مؤثرة على العقل والبدن، إنها من بين الطقوس الغريبة المستوحاة من ديانات شرقية لاتمت للإسلام بصلة، والتي تتمثل في غالبيتها بطقوس دينية روحية، وليست رياضة جسدية فقط كما يدعي البعض من المدربين في عالمنا العربي والإسلامي ممن أصابهم الهوس بها، وانصرفوا لممارستها، وليست فقط في إطار النشاط الرياضي البدني، بدليل أنها تقترن بطقوس تأملية وكلامية تتردد فيها بعض الجمل مع تمرينات التنفس، من مثل كلمة «أوم» وكلمات أخرى وعبارات لاتحمل في أكثرها معاني يمكن تفسيرها، فهي استدعاء لتلك القوى الخفية التي تحل كما يأملون في أجساد ممارسي اليوغا فتمنحهم القوة والمنعة.
وقد حلت هذه التعويذات والمانترات محل التسبيح والتأليه والتكبير والاستغفار، فتوجه الناس لها بترديدها وقت ممارسة اليوغا في عالمنا الإسلامي للأسف، والخطير في الأمر دعوة أكثر المدربين إلى الاستعانة باليوغا وجلسات التأمل والتلفظ بالمانترات، بهدف الاسترخاء والصفاء الذهني والسكينة القلبية كبديل للصلاة وقراءة القرآن والأذكار كما وضحنا. ونرى هذا في الدعايات الإعلانية والدورات والورش والمحاضرات التي يقيمها هؤلاء المدربون المهووسون بما يسمى العلاج بالطاقة وايقاظ الروح والشفاء البراني واليوغا الروحية بهدف العلاج النفسي والجسدي والسلام مع الذات وغيرها من المسميات التي غزت مجتمعاتنا الإسلامية، وضلت طريقها الطبي أو الروحاني أو العلمي الصحيح، وأوهمت المتدربين بوجود بدائل للصلاة وقراءة القرآن والأذكار.
ونعرف جميعا كمسلمين أن الذكر سر طمأنينة القلب، يقول الله عز وجل «ألا بذكر الله تطمئن القلوب»، وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد بالصلاة راحة له، ويرى غيرها من الأعمال الدنيوية تعباً ومشقة، فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة لله تبارك وتعالى وقرباً منه، فكيف ندور في فلك اليوغا التي تحمل فلسفة روحية بطقوس ديانات شرقية خصوصاً بتداخلاتها ببعض الشركيات، وعدم الاعتراف بوحدانية الخالق جل وعلا!
واليوغا رياضة جسدية وروحية، وتمتد جذورها في الفلسفة الهندية منذ ما يزيد على الخمسة آلاف عام، وفيها امتداد لطقوس دينية أيضا، وتتعدد نماذج اليوغا وآلياتها وتقنياتها بين تمرينات التنفس، والاسترخاء، وجلسات التأمل مصحوبة بالأوضاع والحركات الجسدية. وفي اللغة الهندية المقدسة مفهوم اليوغا هوالاتحاد والاتصال بالطاقة الكونية الكبرى وهو الله جل وعلا، أي الاتحاد بين الجسم والعقل والله، وهي كما وضحوا في كتبهم توصل الإنسان إلى المعرفة والحكمة والتنوير، وتطور تفكيره بتطوير معرفته للحياة، وتوسع مداركه، وتصرفه عن التقوقع الفكري والتحزب أوالتعصب الديني، وتخرج به من الأفق الفكري الضيق، وتجعله يحيا حياة سعيدة روحيا وجسديا ونفسيا.
ولو نظرنا في المعجم الفلسفي نجد أن اليوغا هي لفظ سنسكريتي، ويعني الاتحاد، وتتسمى الرياضة الصوفية التي يمارسها حكماء الهند في طريق الاتحاد بالروح الكونية العليا، فاليوغا ليست فقط مذهبا فلسفيا فحسب، وإنما هي طريقة روحية فنية تقوم على ممارسة بعض التمارين التي تحرر النفس من الطاقات الحسية والعقلية والجسدية عبر مراحل متدرجة حتى تصل إلى عالم الحقيقة. وحين ندخل بتوسع كبير في مفهوم اليوغا، حيث يقول أحد كبار ممارسيها ومعلميها: إنها اتحاد الإنسان مع الروح العليا والمقصود بها الله، وفيها تكون وحدة الأديان، وتحتوي اليوغا على تمارين وطقوس مختلفة، ولكن أهمها وأشهرها تمرين يسمى «ساستانجا سوريا ناماسكار»، وفي بعض الأحيان يختصر في مسمى «سوريا ناماسكار»، ومعناه باللغة السنسكريتية «السجود للشمس بثمانية أعضاء» من الجسم، وقد حدد اليوجيون هذه الأعضاء: بالقدمين والركبتين واليدين والصدر والجبهة.
ويفضل لمن يمارس اليوغا أن يكون عاري الجسم، ولا سيما الصدر والظهر والأفخاذ، وأن يستقبل الشمس بجسمه عند شروقها، وعند غروبها إذا أراد يوغا صحيحة ونافعة، وأن يثبت نظره ويركز انتباهه على قرص الشمس، وعليه أن يتعلق فيه بكليته، وهذا يشمل جسمه وجوارحه وفكره ولبه، أما إذا كان لا يستطيع رؤية الشمس، فيمكنه أن يرسم قرص الشمس أمامه على الجدار ويتوجه إليها بكليته، ومما تتضمنه قواعد اليوغا أن تتأمل جسدك، وأن تتفكر وتنظر بعمق ودقة في كل عضو من أعضاء جسدك، من أصابع الأقدام، وصولا للرأس، عند الاستيقاظ من النوم وقبل مغادرتك سريرك، ويكون الأمر بالعكس من الرأس ونزولا حتى أصابع الأقدام قبيل النوم، ومن رغب في الاستفادة من اليوغا ينبغي له أن يكون نباتيا في نظام أكله، ولايتناول اللحوم مطلقا.
وهناك من يقوم بأدائها في الأوقات التي يحرص أصحاب الديانات الشرقية على أدائها من مثل شروق الشمس، وكذا فإن اليوغا تقدم أشكالا من التمارين الجسدية القائمة على فلسفة روحية خاصة تعتمد على وضعيات جسدية محددة تختلف في نتائجها وتأثيراتها الجسدية، وتتجاوز اليوغا في نماذجها المئة نموذج، ويكون بعضها بوضعيات وحركات جسدية خفيفة سريعة ومكثفة وسهلة التطبيق، وبعضها الآخر يشمل وضعيات حركية قد تكون صعبة وتحتاج لممارسة طويلة لتطبيقها بالشكل المطلوب، ولكنها في معظمها تعتمد على التأمل والتنفس وترديد بعض العبارات والتعاويذ وما يسمى المانترات التي تحقق الهدوء والاسترخاء النفسي والسكينة العقلية، وتتطلب بعض النماذج حجرة دافئة لكي يتمكن الشخص من أداء هذه الوضعيات الحركية الروحية. وقد لقيت اليوغا الروحية في مجتمعاتنا الإسلامية إقبالاً من البعض بسبب قوة التسويق الذي نالته هذه الرياضة الروحية الدينية من الدورات التدريبية التي انتشرت في السنوات الأخيرة، سعياً للحصول على الاسترخاء النفسي والصفاء الذهني والشفاء الجسدي والسكينة القلبية.
ويشبه الكثيرون وضعيات اليوغا بوضعيات الصلاة عند المسلمين، والغريب في الأمر الذي يظهر أخيراً كما أشرنا من قبل هو الترويج لليوغا كبديل للصلاة، لدرجة أن بعض المتدربين وجدها خلاصا من أزماته النفسية وطريقا للراحة، ويمكننا أن نرى الإحصائية التي نشرتها على حسابي بالانستغرام، والتي شارك فيها 172 شخصاً من مختلف دول العالم الإسلامي ممن جربوا رياضة اليوغا الروحية، وكان منهم نسبة وإن كانت ضئيلة ممن تعلقوا بها تعلقاً كبيراً، وأصبحت جزءاً من حياتهم، فهجروا الصلاة والقرآن، ووجدوا ضالتهم في الطقوس الشرقية في الديانات غير السماوية.
وبلاشك أنها ظاهرة غريبة، وموجة مخيفة بدأت تغزو مجتمعاتنا الإسلامية بسبب انتشار المعلومات في ظل انتشار واسع لمواقع التواصل الاجتماعي، التي سهلت للكثيرين ترويج أفكارهم وتسويق دوراتهم عن بعد عن طريق الواتساب أوالسناب شات أو الانستغرام ودفع الرسوم عن بعد، ولم نعد نستغرب رؤية بعض الشباب والفتيات يمارسون اليوغا على شاطئ البحر، أو في الحدائق العامة. وبالطبع لايمكن تسويق اليوغا كبديل للصلاة، فللصلاة هيبتها، وكما نعرف فإن الصلاة تحتاج منا إلى الخشوع الذي يتطلب السكون والطمأنينة وتدبر السور التي يقرأها المصلي، والغوص في معانيها، والصلاة هي اللقاء الروحاني بالله عز وجل، وهي التواصل به بروحانية خالصة كما وضحنا من قبل، وتكون نابعة من القلب الذي يحضر بخشوع تام وسكينة مثيرة.  قال الله عز وجل وقوله الحق في سورة الأحزاب: «إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما».
وقد تكون الصلاة صعبة وشاقة على غير الخاشعين من المصلين، ولكنها سهلة على الخاشعين، وقد قال تبارك تعالى وقوله الحق: «واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون». والمقصود بالخشوع هنا: خشوع القلب بجمع الهمة وحضور القلب، والتدبر لما يجري على اللسان من القراءة والذكر والخشوع في السجود، ولما تسمعه الأذن من قراءة للسور القرآنية، وخشوع الجوارح بسكونها وعدم العبث والالتفات إلى غير مقصود الصلاة. وهو موقف عظيم بلاشك لانجد له بديلا، ويكون فيه الإنسان بين يدي الله تعالى وتقديسه جل وعلا، والصلاة مع الخشوع التام وحضور القلب تزكي صاحبها، وتهذب نفسه، وتطمئن قلبه، وتنهاه عن فعل السوء وارتكاب المعصية والفحشاء والمنكر، وتأمره بالخلق الكريم والقيم النبيلة والمبادئ السامية.
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، فحينئذ تكون راحة له، وقرة عين كما بين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«حبب إلي الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة»، وقال صلى الله عليه وسلم لبلال:«يا بلال أرحنا بالصلاة». ومن أهم أسس الخشوع في الصلاة الطمأنينة وعدم التعجل بأدائها والتسرع، وهكذا ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر في الصلاة، وكلما زاد المصلي طمأنينة وتدبرا في ما يقول زاد خشوعا، وكلما قل خشوعه اشتدت عجلته وسرعته في إنهاء صلاته فتتحول لحركات جسدية رياضية تخلو من عبودية الخالق والتوجه له تبارك وتعالى. فكيف نقارن اليوغا بالصلاة؟ وكيف يجرؤ هؤلاء المدربون على الاستعانة بها كبديل للصلاة؟ فما كان لله عز وجل يختلف عما كان لغيره تبارك وتعالى، وكيف يتم التسويق لها على أنها واحة الأمان والاطمئنان واليقظة الروحية وقائمة طويلة لاحصر لها ويتم تجاهل الحديث عن الصلاة وتأثيرها العميق في حياة الإنسان.
 ليت تلك الدورات والورش تعطي أسس الخشوع في الصلاة بدلا من كيفية التدرب على حركات اليوغا. والعجب كل العجب أن نترك الصلاة لنتعلم اليوغا بحثا عن سكينة النفس وراحة القلب!
هل أدرك هؤلاء المدربون والمتدربون المهووسون باليوغا أهمية الصلاة التي يؤديها المسلم خمس مرات يوميا؟ ففي صلاتنا نستشعر عظمة الخالق جل وعلا الذي نقف أمامه وبين يديه، أما اليوغا فتعمل كما يدعون على اتحاد الجسم والنفس والعقل، وتآلفهم في تناغم يحقق قدرا من الهدوء والسلام النفسي، وهناك اختلاف كبير جداً، ولا يمكن على الإطلاق أن نستبدل الصلاة باليوغا، ففي الصلاة أنت تدعو الله وتشتكي إليه، وتناجيه وتتحدث إليه، أم اليوغا فهي تعتمد على الإيحاء الذاتي في الجانب الروحي بالإضافة للأوضاع الجسدية التي لاتتجاوز كونها حركات رياضية، حيث يتوهم الشخص الذي يعاني من مشكلة نفسية أن مشكلته ستحل بحلول الطاقة الكونية في جسده، وبذلك تنتهي مشاكله بممارسته لليوغا.
ونعلم بأن كثيراً من الهنود ممن أسلموا قالوا بأنهم «كانوا يمارسون اليوغا»، ولكنهم بعد دخول الإسلام، هجروها لأنهم اكتشفوا أنهم ليسوا بحاجة لممارستها، فالصلاة تغنيهم عنها، وهي أكثر فائدة من اليوغا، وقالوا بأنهم يكونون في حالة روحانية عالية جدا بالصلاة تسمو على روحانية اليوغا التي كانوا يتوهمونها فقط ولم تكن حقيقية، والتي قد تلامسها قوى شيطانية من الجن، كما قالوا بأن ممارسة اليوغا من دون فلسفتها الروحية تسقط تأثيرها على النفس والعقل والجسد، وبالتالي هي معتقد روحي تعتمد فكرة الحلول في جسد اليوجي أكثر من كونها ممارسة جسدية للاسترخاء كما يدعي البعض، والطاقة التي يقولونها هي حلول قوة كونية يؤمن بها اليوجي قد تكون من الجن كما أشرنا سابقا.
 وهكذا ننتهي إلى أن اليوغا والصلاة لا يسيران في خط واحد أبداً، ولا يمكن أن تكون اليوغا بديلاً عن الصلاة، لأن لكل منهما عالمه الخاص ورؤيته الروحانية الخاصة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي