No Script

ضوء

التعليم أولاً وأخيراً

تصغير
تكبير
كشف مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عن مراتب الدول العربية، وقد شمل المؤشر 140 دولة، وتبوأت عربيا من المرتبة الأولى إلى الثالثة عشرة، وعلى التوالي: قطر، الإمارات، لبنان، البحرين، الأردن، السعودية، تونس، الكويت، المغرب، سلطنة عمان، وتليهم الجزائر، وموريتانيا، وأخيرا مصر، واُحتسبت ست دول عربية خارج المؤشر هي: العراق وسورية واليمن وليبيا والسودان والصومال، لافتقارها معايير الجودة في التعليم.

أما عالميا فالترتيب كالتالي: قطر الرابعة عالمياً، الإمارات العاشرة، لبنان 25، البحرين 33، الأردن 45، السعودية 54، تونس 84، الكويت 97، المغرب 101، عُمان 107، فالجزائر 119، وموريتانيا 134، وأخيرا مصر 139.


وهذا التصنيف واقعي وحقيقي، فالدول الست التي خارج المؤشر تعاني من حروب داخلية تؤلبها قوى عظمى خارجية، وهي لا تفتقر إلى التعليم فحسب بل إلى وطن وهوية، لكن من المحزن أن تحصل الكويت على تلك المرتبة بعد أن كانت منارة الخليج، ومن المبكي أن تكون مصر في الأسفل بعد أن كانت شعلة الشرق كله، لماذا؟ بسبب سياسات الخصخصة التي بدأت منذ عهد السادات، واستشرت في عهد مبارك، ومعها استشرت المحسوبية والفساد وتآكلت مفاصل الدولة بجميع مؤسساتها، وبالأخص المؤسسات التربوية والصحية، وكان ذلك التوجه متعمدا من أجل ضرب حركة النهضة والتنمية في مصر، لمعرفتهم الأكيدة والمتيقنة ان التعليم هو عصب التنمية، ولقد تم الانتباه للمسألة حديثا، وبدأ العمل للتغيير وتحسين مستوى التعليم ومخرجاته، ولن تظهر النتائج الإيجابية إلا بعد سنوات عدة.

في اعتقادي ان بعض الدول الخليجية سخرّت عوائد النفط بشكل صحيح لمصلحة الوطن والمواطن، وبالأخص دولتي قطر والإمارات، لأنهما تسيران نحو المستقبل بخطى واثقة وتسعيان إلى رفاهية شعبيهما، أما بقية الدول العربية فهي تسير بتثاقل، وأمامها مشكلات عصية تتعلق بأساسيات الحياة، كالغذاء والدواء والأمن والتعليم والطاقة والمياه.

ولقد كانت البحرين والكويت نموذجين يحتذى بهما، ومثالين رائدين على جودة التعليم، وكانتا المنار الذي يهتدي به بقية الأقطار الخليجية، لكن المؤشر يثبت ان التعليم تراجع فيهما بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، فما أسباب ذلك التراجع وكيف نحقق التطور الفعلي والحقيقي لا الشكلي والمظهري؟

إن جودة التعليم تقاس بالعديد من العوامل التي تفتقر لها معظم الأقطار العربية، وعلينا أن نعرف المعايير التي يرتكز عليها تصنيف مؤشر جودة التعليم لكي نعمل على تحقيقها.

يقول الكاتب محمود الشربيني «إن الترتيب المتأخر في جودة التعليم في مصر، أو الكويت، يعبر عنه الواقع، فلم يعد التعليم يمثل الأولوية ولا تُرصد له الميزانيات المستحقة، لأن الحكومات تريد تقليل الإنفاق، وتهتم بالشكليات والورق، ولا تهتم بتحسين حال المعلم والبيئة المدرسية وتحديث المناهج، وللأسف غابت الأنشطة الإبداعية كالخطابة والموسيقى والفن، وما لم نضع في الاعتبار ان التعليم يكون له قيمة لمن يتلقونه فلن نحقق ما نريد، فلا يمكن أن يتساوى الطالب الذي يسهر الليالي والطالب الفاشل ابن المرتشي أو ابن السياسي الانتهازي».

وتقول د. حنان معرفي «إن المعلم لم يعط حقه منذ سنوات طويلة، مما ساهم في تقليل حماسه وإنتاجيته في العمل، ولا يوجد تقدير واحترام للمعلم من قبل الأهالي والطلبة والمجتمع كله، وأصبحت مخرجات التعليم من سيئ إلى أسوأ».

والواقع يقول لنا إن الكفاءة حلت محلها المحسوبية والواسطة، وأصبح الكثير من الطلبة متقاعسين، والمعلمون أصبحوا غير مخلصين، لذا يعتمد معظم الطلبة على الدروس الخصوصية تحت سمع وبصر وزارة التربية والتعليم.

والمسؤولية في تدني مستويات التعليم تقع بالدرجة الأولى على الدولة، لأن عليها أن تضع الخطط الاستراتيجية لانتشال التعليم وإحداث نقلة نوعية فيه، كما فعلت العديد من الدول التي كانت في أسفل المستويات التنموية ثم أصبحت في مصاف الدول المتقدمة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ وسنغافورة.

بعد الحرب الأهلية في كوريا من 1950 إلى 1953 وتدمير البنية التحتية تماما، قال الجنرال الأميركي دوغلاس عن كوريا الجنوبية: ان هذا البلد لن يتعافى حتى بعد مئة سنة. وفي عام 1961 تولى الحكم في كوريا الجنوبية الجنرال بارك تشونغ، فعمد إلى رفع الروح المعنوية للشعب، وقسمه إلى ثلاث فئات: رجال يعملون في الحقول وينتجون الغذاء، وشباب يسافرون للعمل لجلب الأموال بهدف بناء المدارس والجامعات، وأطفال يتعلمون ونساء يعملن على خدمة الأطفال والصناعات الخفيفة. وهكذا لم يجد أي كوري نفسه عاطل عن العمل.

وبعد 30 سنة تحولت كوريا الجنوبية من دولة فقيرة إلى مصاف أقوى الدول الصناعية، والسر هو التعليم. فالأطفال الذين تعلموا أفضل تعليم هم سبب نهضة البلاد، والقيادة السياسية الوطنية الواعية تستطيع أن ترفع الوطن كما فعل رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد في ماليزيا، الذي وضع التعليم على رأس الأولويات، وخصص الميزانيات الكبيرة للتدريب والتأهيل والتعليم والبحوث العلمية، وأرسل عشرات آلاف المبتعثين إلى أفضل الجامعات العالمية، ووضع كل شخص في تخصصه، وقدّر الكفاءة، ووضع قانونا عاما يُطبق على الجميع. فيا أيها العرب إن أردتم أن يكون لكم ذكر بين الأمم... أفعلوا ما فعله المهاتير.

aalsaalaam@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي