No Script

ببساطة

معارضون بلا معارضة

تصغير
تكبير

أكثر الأسئلة المزعجة التي أواجهها هي تلك التي تبدأ بجملة: «ليش ربعكم المعارضة قالوا كذا... أو فعلوا كذا»؟ وكأن المعارضة جسد واحد بفكر ومنهج وبرنامج واحد.
الحقيقة أن هناك لبساً في فهم فكرة المعارضة في الكويت، فنحن بسبب المنظومة السياسية المشوهة، وعدم اكتمال حالتنا الديموقراطية لتصل للنظام البرلماني، فقد أصبحت المفاهيم الأخرى كالمعارضة مشوهة أيضا.
فالمعارضة بشكليها الرئيسيين، إما أن تكون معارضة أحزاب الأقلية البرلمانية لحزب الأغلبية الذي يشكل الحكومة؛ وهذا في الأنظمة البرلمانية لدى الدول المتقدمة ديموقراطياً، أو في حالة الديكتاتوريات تكون تلك المعارضة تعمل بالسر أو كمعارضة بالخارج، وهذه المعارضة تكون ضد النظام الديكتاتوري بالكامل.


في الكويت نعيش حالة استثنائية، فنحن في دولة ينص دستورها في المادة السادسة بأن نظام الحكم ديموقراطي والسيادة فيه للأمة، لكن المنظومة السياسية لم تتطور لتصل للنظام البرلماني الكامل، بحيث يكون هناك تداول سلمي للسلطة، كما أن العملية السياسية تعتمد على العمل الفردي وليس الجماعي، لذلك فنحن نرى بأن هناك أفراداً معارضين كل حسب مصلحته أو وجهة نظره الخاصة وليس معارضة بمعناها الحقيقي.
أما على مستوى التنظيمات السياسية، فليست كل التنظيمات المحسوبة «معارضة» متفقة، فكل تنظيم يفترض أنه يمثل مصالح فئة من فئات الشعب، فهناك المعارضة الشعبوية وهي التي تعارض الحكومة للحصول على مكتسبات شعبوية فقط، كذلك هناك المعارضة الوطنية التاريخية، التي تريد استكمال مشروع 1962 وبناء دولة الكويت الحديثة بنظام ديموقراطي مكتمل الاركان، وهناك معارضة قوى الاسلام السياسي «بكل طوائفه»، وهي على الرغم من كونها حليفاً تاريخياً للسلطة، حيث استخدمتها السلطة لضرب المعارضة الوطنية سابقاً، إلا أن مشروعها يتعارض أحياناً مع مصالح الحكومة فنجدها تصطف حسب المصلحة، إما مع أو ضد.
كل هذه الاختلافات، سواء على مستوى الأفراد أو التنظيمات السياسية، تمثل عائقاً جدياً أمام وجود معارضة حقيقية، فالمعارضة الحقيقية يجب أن تمتلك برنامجاً سياسياً واضحاً متفقاً عليه، حتى وإن لم تكن منسجمة فكرياً، ولكن هذا الأمر غير موجود حالياً، بل إن هناك تبايناً آخر بين المعارضة البرلمانية والمعارضة خارج البرلمان، فالقوى المعارضة خارج البرلمان وإن امتلكت الرؤية أو الفكر السياسي إلا أنها لا تملك الأدوات لتحقيق ذلك، أما المعارضة البرلمانية، وهي بسبب نظامنا الانتخابي تعتبر معارضة أفراد، فنجدها لا تمتلك القدرة على استخدام أدواتها البرلمانية من دون وجود تأييد شعبي ورأي عام ضاغط على الحكومة، وفي نهاية الأمر فإن الحسبة الانتخابية هي التي تحكم الموقف.
لا يوجد في الكويت معارضة حقيقية، والسبب ببساطة هو عدم توافر الأدوات اللازمة لتشكّل تلك المعارضة، فالمنظومة السياسية تعتمد العمل الفردي من دون وجود امكانية لتشكيل أغلبية برلمانية، والحكومة يتم تعيينها من خارج البرلمان من دون أن تمتلك خطة أو رؤية واضحة ليتم تقييمها عليها، كذلك جراء عدم تنظيم العملية السياسية من خلال إقرار قانون لإشهار الهيئات السياسية، وعدم وجود تداول حقيقي للسلطة؛ كل تلك الأسباب والكثير غيرها أدى إلى تشوّه مفهوم المعارضة، فأصبحت لدينا معارضة شخصانية ومصلحية غرضية مباشرة، وأصبح لدينا معارضون أبديون، لدينا معارضون من دون رؤية ومن دون برنامج ومن دون خطة عمل.
لذلك فوصف المعارضة بشكل عام ليس دقيقاً في الحالة الكويتية، والأدق أن هناك معارضين مختلفون كل حسب توجهه الخاص... معارضون بلا معارضة.

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي