No Script

مؤسسة «النيزك»... السماء هي الحدود

تصغير
تكبير
جميعنا نعرف أن «النيزك» هو جسيّم صلب يضرب بالأرض ويُحدث تغييراً. ولهذا السبب، اختارت المؤسسة الفلسطينية هذا المصطلح اسماً لها هي التي تطمح إلى إحداث تغيير إيجابي في المجتمع الفلسطيني بشكل أساسي وفي العالم العربي. وتخبرنا سارة كحيل، مسؤولة العلاقات العامة في المؤسسة، «لقد اخترنا اسماً علمياً يعكس التركيز على ثقافة العلوم والتكنولوجيا ونشرها».

بالفعل، تطمح مؤسسة «النيزك» للتعليم المساند والإبداع العلمي، منذ بداياتها عام 2003، إلى نشر حب العلوم والتكنولوجيا والهندسة وغيرها من القطاعات من خلال التعليم والإرشاد والبحث باعتماد وسائل مبتكرة وفريدة من نوعها.


وتقول كحيل: «في البداية، انطلقت المؤسسة كمبادرة من المهندس عارف الحسيني الذي أسسها بعد أن رأى أن كل الأولاد والصبايا في المجتمع الفلسطيني لا يحبّون العلوم والتكنولوجيا. بدأ يبحث عن السبب ووجد أنه قد يكون مرتبطاً بطريقة تعليمها التقليدية جداً. حينها، بدأ يجول على مدارس القدس حاملاً حقيبة مليئة بالألعاب، مركزاً على ألعاب الطاولة وكل ما يركّز على التفكير الناقد والإبداعي ليَشرح المفاهيم المختلفة».

وتشرح كحيل عن هذه المبادرة التي تحوّلت إلى مؤسسة فلسطينية غير ربحية وغير فئوية تملك فروعاً في القدس والخليل ونابلس وغزة وبيرزيت شعارها «السماء هي الحدود» قائلة: «ليس مجرد شعار لا بل حقيقة لأننا لا نعرف أي حدود حتى لأكثر الأفكار المجنونة. إذا كان تطبيقها ممكناً، سيجد كل طالب الدعم العلمي والمادي والتقني والمعنوي والإرشاد. ونحن نهدف دائماً إلى نشر ثقافة العلوم والتكنولوجيا واستخدام المعرفة لخلق ظروف اقتصادية أفضل للمواطنين».

برامج لكل الأعمار

لا شك أن أبرز ما يُميزّ «النيزك» هو تعدد وتنوّع برامجها التي تُحاكي كل محبيّ أو هواة العلوم والتكنولوجيا أياً تكن أعمارهم أو قدراتِهم. وتوضح كحيل: «لدينا سلسلة من البرامج مبنية كحلقة تبدأ من عمر 8 سنوات إلى الطلاب الذين يتخرجون من الجامعة». وتضيف أن كل البرامج مجانية تمتد على مدار عام في حين أن عملية اختيار المشاركين، تختلف من برنامج إلى آخر؛ فبعضها يعتمد على تقديم طلبات مشاركة وبعضها يتم بالتعاون مع وزارة التربية التي تختار المدارس والطلاب المشاركين.

تبدأ بالحديث عن «حاضنة الطلبة الموهوبين» الذي «يستهدف الطلاب بين 8 و9 سنوات ويعمل على تطوير المهارات العلمية والتكنولوجية بفضل اللعب والمتعة ليتعرفوا على مفاهيم لها علاقة بالعلوم والفيزياء والموسيقى».

وتنتقل إلى برنامج «الباحث الصغير» الذي يستهدف الطلاب بين 12 و14 سنة ويهدف إلى تطوير مهارات البحث العلمي بغية إيجاد حلول لمشاكل قد يواجهونها في المجتمع. وتقول كحيل «بعد أن لاحظنا نجاح هذا البرنامج طورناه لُيصبح برنامج - بادر - الذي يهدف إلى بناء قدرات طلاب صفوف الثامن والتاسع في التفكير النقدي والإبداعي». وتضيف «خلال السنوات الثلاثة للبرنامج، تمّ استهداف 27 ألف طالب وطالبة، أغلبهم من مناطق مهمشة كما طوّرنا بنى تحتية لتوفير مساحات آمنة وتفاعلية للطلاب من خلال ست مختبرات للإبداع عالية التقنية».

ولكل الطلاب بين الـ 15 والـ 16 سنة، أطلقت «النيزك» برنامج «ستيب» (برنامج الريادة العلمية والتكنولوجية الفلسطينية الشابة) الذي اعتبرته كحيل أكثر برامج المؤسسة تخصصاً حيث يعمل الطلاب الذين تختارهم لجنة تحكيم بناء على أفكارهم العلمية طوال عام على إجراء الأبحاث وتطوير الفكرة والعمل على نموذج مبدئي والمشاركة في عدد من المنافسات التي قد تحملهم إلى الولايات المتحدة حيث «يتعرفون على أشياء من التكنولوجيا والعلوم التي قد لا يتعرضون لها في فلسطين».

أما برنامج «صنع في فلسطين»، فتخصّصه «النيزك» لطلاب وخريجي الجامعات الذين يملكون أفكارا يمكن تحويلها إلى خدمات ومنتجات وشركات فستُساعدهم في البحث العلمي وتربطهم بمجتمع الأعمال والصناعة.

وتتابع كحيل، من دون أن تفقد أيا من حماستها وشغفها في التحدث عن كل من هذه البرامج بالتفاصيل «آخر برامجنا هو برنامج آفاق الذي يستهدف بشكل أساسي طلاب القدس الطامحين للدراسة بجامعات عالمية متميزة من خلال تشبيكهم مع مرشدين لتطوير ملفّهم الدراسي إضافة إلى برنامج تدريبي لتطوير مهاراتهم».

هذه إذاً مجموعة البرامج التي لا تُشكل إلا جزءاً من أعمال مؤسسة النيزك التي تُطلق وتشارك في العديد من المنافسات وتنظّم باقة من ورش العمل المفتوحة للجميع إضافة إلى توسيع شراكتها مع الوزارات الفلسطينية المهنية والمنظمات العالمية على غرار اليونيسيف واليونسكو، والقنصلية الأميركية في القدس، والاتحاد الأوروبي وغيرها؛ شراكات تُساعد في استدامة المؤسسة غير الربحية.

إلا أن هذه الأخيرة تسعى إلى تحقيق الاستدامة المالية وتوليد الدخل الذاتي بفضل مجموعة من الخطوات. فتُنظم العديد من الدورات التعليمية والتدريبية التي تُحتّم على المشاركين فيها دفع رسوم محددة إضافة إلى إنشاء «بيت العلوم والتكنولوجيا» قبل بضع سنوات في بيرزيت كخطوة أساسية لتوليد الدخل ولمواصلة التشجيع على تعلم وتعليم التكنولوجيا في المجتمع الفلسطيني وتوفير المعرفة العلمية والتكنولوجية الحديثة بأسلوب عملي وتفاعلي. وتشير كحيل «نطمح أن يكون بيت العلوم والتكنولوجيا أول متحف علميّ في فلسطين وهو يفتح أبوابه إلى 15 ألف شخص سنوياً». وهذا المتحف يتضمّن العديد من الأجنحة التعليمية مثل جناح الفيزياء والفضاء، جناح الكيمياء والدواء، وجناح الاتصالات.. وتقول كحيل إن «شعارنا هو (يرجى اللمس) لأننا نريد من خلال هذا البيت أن نُفهم زوارنا أن العلوم شيء قريب منهم».

نجاحات متواصلة وجوائز

أكثر من عشر سنوات مرّت على تأسيس «النيزك» والبرامج ما زالت قائمة وفي تطور مستمر والطلاب دائماً يلبّون النداء. وتخبرنا كحيل أن كل برنامج يستقطب عدداً مختلفاً من الطلاب في حين أن المفاجأة تكمن في إقبال الفتيات. وهنا تقول «نتفاجئ أن الفتيات أكثر المشاركين في هذه البرامج لا بل لدينا مشكلة في استهداف الشباب. لا شك أن إقبال الفتيات نابع من محل إثبات أنهن قادرات على الابتكار والإبداع في مجال العلوم». إلا أنها تشير أن المؤسسة تواجه مشكلة استهداف الإناث ضمن برنامج «صنع في فلسطين». ويُعزى السبب، على حد قولها، إلى «أن البرنامج يستهدف خريجي الجامعات. وبالتالي، قد تكون الفتيات منهمكات بالعائلة ويخضعْن للضغوطات الاجتماعية التي لم تتخلّص منها كلياً وبالتالي التزامها بمشروعها الخاص صعب ولا تملك الجرأة الكافية لذلك». وهذه البرامج الكثيرة لا يمكن أن تستمر من دون فريق عمل متكامل يتكوّن من المتخصصين والخبراء في مختلف المجالات العلمية بما فيها العلوم التطبيقية والهندسة إضافة إلى شبكة من المنسقين والميسرين في مختلف المحافظات الفلسطينية. ولا شك أن هذا العمل الدؤوب وحب التعليم تكلّل بحصول «النيزك» على العديد من الجوائز مثل جائزة الإبداع العربي وجائزة فلسطين للتميز والإبداع وجائزة المرحوم عبد العزيز الشخشير وآخرها، جائزة «تكريم» عن فئة الابتكار في التعليم 2016.

كما أن مثابرة القائمين على «النيزك» وإصرارهم على أهمية العلوم والتكنولوجيا في المجتمع، ساهمت في الاستدامة على الرغم من كل التحديات التي غالباً ما تكون رفيقة هكذا مبادرات. وهنا تخبرنا كحيل «التحديات كانت كثيرة في البداية لاسيما أنه في عام 2003، كان الجميع مركزاً مع الانتفاضة في حين أتينا لنتحدث عن التكنولوجيا والعلوم. وكان الناس ينظرون إلينا ويقولون: (إنتو مزحة، مين بيحكي عن هذه الأمور في هذه الفترة). لكن ثابرنا وبنينا سمعة عالية وجذبنا آلاف وآلاف الطلاب وحصلنا على نحو 70 ألف متابع على فيسبوك وانتشرنا في مختلف المناطق وما زلنا نطمح إلى تحقيق المزيد».

وبالفعل، فقد وضعت المؤسسة خطة استراتيجية لـ 2020 تهدف إلى استثمار أكبر في المصادر الإنسانية وتطوير واحة الإبداع في القدس ألا وهي مجمّع تعليمي يشمل مدرسة ومرصدا فلكيا ومكتبة علمية وغيرها.

ويبقى الأهم بالنسبة لكحيل «أن نكسر الصور النمطية أنّ الشعب الفلسطيني لا يستطيع أن ينتج. فرغم الصعوبات، لدينا شباب مبدع ونرى ذلك في قطاع غزة بالأخص رغم الحصار. هذا دافع إضافي لتحسين الظروف وابتكار وسائل تعليمية جديدة».

* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي