No Script

محافظ «المركزي»: استقرار النظام المصرفي ليس بديلا عن الإصلاحات لتحقيق النمو المستدام

No Image
تصغير
تكبير
جهود كبيرة بذلها «المركزي» للمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي في الأوقات العصيبة

البنوك المركزية تواجه تحدي تحقيق التوازن في تبني التكنولوجيا دون أن يكون ذلك على حساب أمن النظم المالية

حتى اليوم تمكن نظامنا المصرفي من مقاومة تبعات هبوط أسعار النفط

الحكومة اتخذت مجموعة من الخطوات الإيجابية وإن كانت صعبة لكنها ضرورية لتحسين مرونة ومتانة الاقتصاد

ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية وإصلاح سوق العمل وزيادة دور القطاع الخاص.. مجالات أساسية لاتزال تتطلب عناية مستمرة
قال محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل إن استقرار وسلامة النظام المصرفي المحلي ليس كافيا أو بديلا عن الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

وأكد الهاشل في كلمته خلال افتتاح مؤتمر (يورومني - الكويت 2017) في دورته التاسعة اليوم على دور ومهام بنك الكويت المركزي بصفته السلطة النقدية والرقابية ودوره المؤثر والفعال في توجيه تدفق المدخرات الوطنية نحو الاستثمار.


ولفت إلى الجهود الكبيرة والمتواصلة التي بذلها (المركزي) للمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي في الأوقات العصيبة وقوة ومتانة القطاع المصرفي المحلي الذي يعد ركيزة من ركائز هيكل الاقتصاد الوطني.

وذكر إن المحافظة على الاستقرار النقدي والاستقرار المالي هو ليس الهدف النهائي في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق غاية مهمة تتمثل في ترسيخ النمو وتحقيق الرخاء الاقتصادي حيث يؤدي القطاع المالي دورا مهما لبلوغ تلك الغاية.

واستذكر الآثار التي نجمت عن إخفاق الجهات الرقابية في القيام بمهامها على نحو فعال، قائلا إن هذا العام يصادف الذكرى السنوية العاشرة للأزمة المالية العالمية التي أوقدت شرارتها الأولى أزمة قروض الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية والتي ما لبثت أن انتشرت عدواها لتطال جزءا كبيرا من النظام المالي العالمي.

وأضاف إن الانهيار المالي الذي أعقب تلك الأزمة ترتبت عليه عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي حيث شهد الناتج العالمي تراجعا حادا وتباطؤا ملحوظا في معدلات النمو وارتفاعا كبيرا في مستويات البطالة في شتى دول العالم خصوصا في الاقتصادات المتقدمة.

وبين أن بعض التقديرات تظهر أن الخسائر التراكمية منذ الأزمة المالية العالمية بلغت نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي دون شمولها التكلفة الاجتماعية الناتجة عن ارتفاع معدل البطالة وخسارة الناتج.

وقال الهاشل إن قطاع الخدمات المالية العالمية تعرض لاهتزاز ثقة الجمهور فالانحراف في السلوك المهني واختلال الهياكل التحفيزية أديا إلى العديد من التجاوزات في العمل المالي، مما أدى إلى زعزعة ثقة الجمهور وتكبد خسائر جسيمة في السمعة المالية.

وأشار إلى أنه يمكن الاستفادة من كل تلك التجارب في تجنب تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلا لاسيما أن المجتمع التنظيمي العالمي استطاع من خلال الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية وضع الحمايات المهمة للتخفيف من مخاطر أي أزمات مماثلة في المستقبل.

وأكد أن النظام المصرفي في الكويت ظل بمنأى عن عواقب الأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أن ذلك لم يمنع بنك الكويت المركزي من مواصلة جهوده في تنقيح وتحديث التعليمات والضوابط الحالية وإصدار مجموعة من القرارات والإجراءات الرقابية الجديدة التي تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية.

واستعرض الهاشل عددا من الإجراءات التي اتخذها بنك الكويت المركزي على الجانب الرقابي واستجابة البنوك الكويتية لتلك الإجراءات والخطوات الجديدة وفي مقدمتها تعزيز معيار كفاية رأس المال من خلال رفع النسبة الرقابية مع تحسين جودة رأس المال المطلوب.

وذكر إن معدل كفاية رأس المال للقطاع المصرفي الكويتي بلغ نسبة 18.6 في المئة في 2016 وهي أعلى من النسبة المقررة من قبل لجنة بازل للرقابة المصرفية، فضلا عن شمول إجراءات المركزي وضع هوامش إضافية في صورة مصدات رأسمالية تحوطية ومصدات رأسمالية لمواجهة التقلبات الدورية ونسبة رأس مال إضافية تصل إلى 2 في المئة للبنوك المحلية ذات الأهمية النظامية.

وبين أن من إجراءات "المركزي" أيضا تطبيق معيار مبسط للرفع المالي لمساندة معيار كفاية رأس المال حيث يبلغ معدل الرفع المالي للبنوك الكويتية 10.1 في المئة وهو ما يفوق النسبة العالمية المقترحة والبالغة 3 في المئة.

ولفت إلى تعزيز قدرة البنوك على مواجهة ضغوط السيولة وإضفاء مزيد من الاستقرار في هياكلها التمويلية عن طريق تطبيق معيارين جديدين للسيولة هما معيار تغطية السيولة ومعيار صافي التمويل المستقر والبنوك الكويتية في هذين المعيارين تتجاوز الحد الأدنى للنسب الرقابية المقررة.

وأكد استمرار التحسن الملحوظ في جودة الأصول لدى البنوك المحلية الذي يعكسه تراجع معدل القروض غير المنتظمة بشكل ثابت ليصل إلى مستوى تاريخي منخفض بلغت نسبته 2.2 في المئة الذي ترافق مع إجراءات لضمان تكوين البنوك مخصصات كافية بناء على تحليل شمولي للبيانات مما ترتب عليه ارتفاع معدل التغطية لمستوى قياسي بلغت نسبته 237 في المئة.

وأشار محافظ بنك الكويت المركزي إلى أنه في وقت كانت البنوك في العديد من الاقتصادات المتقدمة تجاهد في سبيل تحقيق أرباح استمر نمو صافي أرباح البنوك الكويتية بمستوى جيد.

واعتبر أن تلك المؤشرات تدل على قدرة البنوك الكويتية على ممارسة دورها كوسيط ائتماني لتحقيق هدف نهائي وهو دعم النمو الاقتصادي مما يعزز القناعة بأن سلامة النظام المصرفي يساعد البنوك على مواجهة التحديات في البيئة الكلية ويساهم في تعزيز قدرتها على مواصلة تحقيق أهدافها الأساسية.

وشدد على أن بنك الكويت المركزي لا يتبع دائما قاعدة «الأعلى هو الأفضل» في التعليمات التي يصدرها بل يسعى إلى اتباع إجراءات تتسم بالحصافة والتوازن إذ يقوم بحرص شديد بقياس تكلفة كل إجراء مقابل المنافع المتوخاة منها.
وذكر إن "المركزي" يصبو إلى «المرونة بكفاءة» وتصميم وبناء نظام رقابي قادر على تجنب أي اضطرابات مالية ويحد من احتمالية التسبب في وقوع الأزمات.

وعن مواجهة المخاطر الناشئة بين أنه رغم الأدوات التنظيمية «التي وضعناها قيد التنفيذ خلال السنوات القليلة الماضية فإن بيئة الأعمال المتغيرة بشكل دائم والنظام المصرفي الذي يتسم بالديناميكية يتطلبان الحيطة والحذر من المخاطر المحتملة».

وأوضح الهاشل أن المحرك الرئيسي لهذا التغيير يكمن في الأثر المتنامي للتكنولوجيا الحديثة في حياتنا التي لم يكن القطاع المالي بعيدا عن تلك التطورات واعتمد عليها واستفاد منها بشكل كبير كما يبدو جليا من الدور المتزايد لشركات التكنولوجيا المالية (فاينتكس) ليتوسع استخدام التكنولوجيا المالية متجاوزا الحدود الدولية.

وأضاف إن استعمال شركات تشغيل الهواتف النقالة والهويات الرقمية أصبح وسيلة لتنفيذ عمليات الدفع وتجميع المدخرات والحصول على الائتمان والتأمين وهي منتجات لم تكن في المتناول بهذه السهولة قبل عقد مضى، فضلا عن التكنولوجيا التي أصبحت وسيلة لدعم إيصال الخدمات المالية الرسمية للملايين من العملاء الذين لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المصرفية.

وقال الهاشل إن البنوك المركزية تواجه تحدي تحقيق توازن دقيق يتمثل في تحديد المدى الذي يمكن بلوغه في تبني التكنولوجيا المالية دون أن يكون ذلك على حساب أمن وسلامة واستقرار النظم المالية.

وأشار الهاشل إلى اقتراح رئيس البنك الاتحادي الألماني على البنوك المركزية النظر في إصدار عملات رقمية خاصة بها في وقت أدت الحوادث الأخيرة مثل الهجمات الإلكترونية على شركة التقارير الائتمانية (إكويفاكس) إلى تسريب بيانات 143 مليون مستهلك أميركي وهو خير دليل على تأكيد تلك المخاطر المرتبطة بالتطورات التكنولوجية.

وأوضح أن البنك المركزي طبق منهج البيئة التجريبية لمواجهة هذه المعضلة بغية توفير بيئة الاختبار اللازمة للمنتجات والخدمات المبتكرة مستخدما أسلوبا يتميز «بالتمكين والملاءمة» حيث نستخدم إجراءات ذات صفة متدرجة لإصدار القواعد وذلك وفقا للمخاطر التي تنطوي عليها.

وقال الهاشل إنه لضمان نجاح هذه الإجراءات فمن الضروري جمع كل الأطراف المعنية بهذا الموضوع من مؤسسات مالية وشركات التكنولوجيا المالية صاحبة المنتجات المبتكرة.

ولفت إلى ضرورة أن ترتكز هذه الجهود المشتركة على إعطاء فرصة لمقدمي الحلول الإلكترونية المبتكرة لطرح ما لديهم من إبتكارات في إطار منهجية لا تعرض النظام المالي بأكمله للمخاطر خلال المراحل الأولى من الاكتشاف والتطوير.

وعن تحقيق مرونة الاقتصاد الكلي أفاد بأن النظام المالي هو حلقة الوصل بين المدخرين والمستثمرين ويقوم بدور محوري في استقطاب وتوجيه الموارد المالية ضمن أولويات تستهدف دفع عجلة النمو الاقتصادي وزيادة التوظيف.

وأضاف إنه نظرا للارتباط الوثيق بين النظام المالي والاقتصاد الأوسع نطاقا يكون لضعف البيئة الاقتصادية بالتبعية أثر على استقرار النظام المالي، مشيرا إلى أنه حتى اليوم تمكن «نظامنا المصرفي من مقاومة تبعات هبوط أسعار النفط».

وذكر إنه على امتداد أكثر من ثلاث سنوات مليئة بالتحديات استطاعت البنوك الكويتية المحافظة على سلامتها واستقرارها وتمكنت من تطوير قدراتها وتعزيز مرونتها على مقاومة الصدمات.

وشدد الهاشل على ضرورة إعادة التأكيد على قدرة البنوك في المحافظة على قوتها ومرونتها ويجب عدم النظر إليها كأمر مفروغ منه ودائم ذلك أن ضعف البيئة الاقتصادية سيؤدي في نهاية المطاف إلى ضغوط على استقرار النظام المصرفي.

وقال إن الحكومة اتخذت مجموعة من الخطوات الإيجابية «وإن كانت صعبة لكنها ضرورية» لتحسين مرونة ومتانة الاقتصاد الكلي وتقوية استدامة المالية العامة، مشيرا الى أن الحاجة لا تزال قائمة لتحقيق مزيد من التقدم على كثير من الأصعدة الهيكلية.

ورأى أن ترشيد الإنفاق العام وزيادة الإيرادات غير النفطية وإصلاح سوق العمل وزيادة دور القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد عموما بعض من المجالات الأساسية التي لا تزال تتطلب عناية مستمرة.

وأضاف الهاشل «هنا تكمن الفائدة من المصدات المالية الكبيرة للدولة والتي تسمح بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بشكل تدريجي شريطة المحافظة على استمرارية هذه الإصلاحات».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي