No Script

رأي

«الحرير»... طريق القرن الحادي والعشرين

No Image
تصغير
تكبير


«حزام واحد، طريق واحد»، هي مبادرة تقوم على جزءين «الحزام» الذي يعيد إحياء طريق الحرير القديم، و«الطريق»، وهو طريق بحري يمر عبر عدد من المحيطات، اشتهر به ماركو بولو في رحلاته وأسفاره التجارية بين الغرب والصين في القرن الثالث عشر، وهو اليوم يحظى بشهرة مماثلة.
وتشير التقارير إلى أن نمو حجم التجارة المتبادلة، بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط، قد وصل إلى 85 مليار دولار في العام الماضي، أي أنها تضاعفت خلال السنوات العشر الماضية.


وبالتالي فإننا سنشهد نمواً مهماً في مجال التبادلات التجارية، ولعل مبادرة الصين «الحزام والطريق» تعتبر مثالاً واضحاً لمستقبل هذا النمو وطريقة تحقيقه.
وبحلول عام 2030، من المتوقع لأكثر من نصف المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، أن تحظى بالتمويل من رؤوس الأموال الخاصة والبنوك متعددة الأطراف والحكومات الأجنبية.
وسيكون لمنطقة الشرق الأوسط دورها المؤكد في ذلك، نظراً لما تشهده من تطور سريع، وانفتاح متزايد على بيئة الأعمال الدولية.
ومع سعي البرامج الحكومية إلى استكمال مخططاتها الطموحة في التحول الاقتصادي في المنطقة، مثل رؤية تركيا لعام 2023، أو رؤية الإمارات لعام 2021، أو رؤية الكويت لعام 2035، فإن كل هذه البرامج ستسهم في تنويع اقتصادات المنطقة بعيداً عن الاعتماد على النفط الخام.
وإذ تمثل مشاريع البنية التحتية والخدمات اللوجستية والنقل الحجر الأساس في هذا التحول، فإن جميع مجالات التركيز تتمحور حول المحركات الرئيسية للاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط.
ومع وجود مشاريع مرتبطة بالبنية التحتية قيد التطوير تزيد قيمتها على 2 تريليون دولار، في مختلف أنحاء منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وعدد كبير من التطورات في السياسات الاستباقية لتسهيل المزيد من الاستثمارات التجارية والأجنبية، سارعت الصين وشركاتها، إلى إبداء الاهتمام والبقاء في طليعة المنفذين للعدد الأكبر من هذه المشاريع.
وتندرج مشاريع تزيد قيمتها على 65 مليار دولار، ضمن قائمة أعمال الشركات الصينية، فمن المتوقع أن يضاعف ميناء خليفة في الإمارات، عدد الحاويات التي يديرها هذا العام، بمساعدة شركة «كوسكو» الصينية للملاحة البحرية.
كما تعتبر الصين المستثمر الأكبر في منطقة قناة السويس الجديدة في مصر، التي تحتوي على منطقة صناعية تبلغ مساحتها 481 كيلومتراً مربعاً و6 موانئ، وتعمل شبكتها الحكومية حالياً على توسيع شبكة نقل الكهرباء في البلاد.
وتستضيف سلطنة عُمان العديد من الاستثمارات الصينية، إذ تضم منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة واحدة من أكبر المدن الصناعية الصينية العُمانية، التي تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار.
وفي الوقت نفسه، تعتبر تركيا أحد الأعضاء المؤسسين لصندوق طريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار في مشاريع البنية التحتية، شريكاً مهماً للصين ومبادرة الحزام والطريق، نظراً لكونها جسراً يصل ما بين أوروبا وآسيا.
وحيث إن منطقة الشرق الأوسط تقع في قلب خط الترابط الجغرافي، فهي بالتالي تعتبر نقطة الاتصال التي تحتاجها الصين لإنجاح مبادرة الحزام والطريق.
وبينما تعتبر الشركات الصينية في طليعة الشركات الناشطة في منطقة الشرق الأوسط، فإن الفرص المتاحة في الصين وعلى طوال خط الحزام والطريق وفيرة جداً، بالمقدار نفسه بالنسبة للشركات في منطقة الشرق الأوسط.
غير أن تحقيق الاستفادة الكاملة يتطلب فهم الطريقة التي ستعمل بها مبادرة الحزام والطريق، إذ تتكون مبادرة الحزام والطريق، التي طرحها الرئيس شي جين بينغ عام 2013، من «الحزام» الاقتصادي لطريق الحرير، و«طريق» الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.
وينطلق «الحزام» من الصين، عبر آسيا الوسطى إلى أوروبا، في حين يمتد «الطريق» بحراً عبر جنوب شرق آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.
وتركز رؤية مبادرة الحزام والطريق على التحسين الفعلي (لمشاريع البنية التحتية) للنواحي المالية، من خلال الإقراض أو زيادة رأس المال، والظروف السياسية من خلال تسهيل المزيد من عمليات التجارة والاستثمار.
ويعتبر الاستثمار في التطوير البشري من خلال التعاون، في مجالات العلوم والتعليم والثقافة والصحة من الأهداف الرئيسية لهذه المبادرة أيضاً.
وإذ تربط مبادرة الحزام والطريق ما بين أكثر من 65 بلداً، 13 منها تقع في منطقة الشرق الأوسط، فإنها ستؤسس لطرق تجارية وبنية تحتية تسهم في تسهيل أعمال التجارة لشركات الأعمال التجارية وتسريعها على المستوى العالمي.
وتعهدت الصين بتقديم قروض بقيمة 20 مليار دولار، ومساعدات مالية بقيمة 106 ملايين دولار، إلى دول منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفي عام 2018 وحده، وقعت حكومة الصين مذكرة تفاهم وتعاون بشأن مبادرة الحزام والطريق مع كل من الإمارات وسلطنة عُمان والكويت والبحرين.
والجدير بالذكر أن تطوير مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، يؤدي إلى توفير الفرص مباشرة من خلال التعمير والإنشاء، ويخلق نظاماً كاملاً لشركات الأعمال من الشركات الأجنبية وحتى الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي ستدعم هذه المشاريع التطويرية الجديدة وتستفيد منها.
وقامت حكومات منطقة الشرق الأوسط بوضع الأسس اللازمة، وحان الوقت الآن لكي تحذو الشركات حذوها وتحث الخطى سريعاً، للبدء بإنشاء سلاسل التوريد الخاصة بها على طول خارطة الحزام والطريق، والاستفادة من فرص النمو المتاحة فيها.
ونظراً لتركيز الإنفاق في منطقة الشرق الأوسط على بعض أكبر مشاريع البنية التحتية، فإن كيفية تسخير هذه المشاريع والاستفادة منها من منظور إستراتيجي، سيساعد في تحديد ماهية التنوع الاقتصادي الذي ستشهده منطقة الشرق الأوسط على المدى الطويل.

* الرئيس الإقليمي للخدمات المصرفية التجارية لدى «إتش إس بي سي» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي