No Script

من زاوية أخرى

الحكومة وحرب «الشهادات المزورة»

تصغير
تكبير

كم هي مزلزلة وكارثية قضية الشهادات المزورة التي كشف عنها، والتي هزت المجتمع بكل أركانه، ووضعت الجميع في موضع الشك، عن مدى حقيقة شهادته العلمية التي يحملها، حتى أصبح الواحد في موضع الدفاع عن نفسه وعلمه وشهادته، ويوضح للجميع أن شهادته نالها من جامعة كذا أو كلية كذا، لإبعاد الشبهات عن نفسه.
ولعل ما هو أكثر إثارة وإيلاما في القضية، أن قضية التزوير تجري منذ سنوات، ولم يتنبه لها أحد، رغم كل التحذيرات التي صدرت والأصوات التي ارتفعت منبهة لما يجري في أروقة وزارة التعليم العالي، وما يأتي إليها من شهادات خاصة من بلد معين. حتى جاءت الفضيحة الأخيرة لتسقط ورقة التوت عن عورة التسيب الإداري، الذي سمح لوافد أن يعيث فسادا بتسريب عشرات الشهادات المزورة من خلال اعتمادها من الوزارة.
ولا شك أن هذا الوافد لم يكن ليقدم على مثل هذا الفعل الإجرامي الشائن لو لم يكن مدعوما او مسنودا من أحد المسؤولين في الوزارة، الذي بكل تأكيد غارق معه في التواطؤ حتى أذنيه. وهنا لا بد من الشكر لوكيل وزارة التعليم العالي الدكتور صبيح المخيزيم الذي فتح الملف ليجد أمامه مستنقعا آسناً يزكم الأنوف من التجاوز على الانظمة والقوانين وارتكاب الجرائم الجنائية التي وضعت الكويت في موقف محرج للغاية.


ومع هذه الانتفاضة الحكومية البرلمانية تجاه هذه القضية، والتأكيدات بفضح وكشف كل من له علاقة بالقضية، سواء استفاد من شهادة مزورة، أو عمل على تسهيل إجراءات التزوير وحتى المتستر على ذلك، فإن أخشى من نخشاه أن تتم طمطمة القضية بعد أن يكتشف أن هناك متنفذين وقياديين متورطين فيها، سواء بنيل شهادة والتمتع بامتيازاتها أو المشاركة في عمليات التزوير، ولاسيما ان تاريخنا حافل للأسف بعمليات الطمطمة على قضايا عندما تصل إلى الرؤوس الكبيرة ذات النفوذ القوي ليقف عند أبوابها الملف فيطوى ويعود أدراجه إلى «الحفظ».
وهنا يجب أن نشير إلى أن هناك تسريبات عن وجود قياديين في الدولة استفادوا من الشهادات المزورة للوصول إلى مناصبهم التي يحتلونها حاليا، فهل يشرب المسؤولون المعنيون بالملف حليب السباع، ويواجهون حملات الضغط ويستمرون في إحالة المزورين بكل مواقعهم على النيابة؟ فما سمعناه من دعم غير محدود من رئيس الوزراء للإجراءات القانونية في هذا الاتجاه أمر يثلج الصدر، والمواقف النيابية المستنكرة والداعمة لمحاربة الظاهرة، أمر إيجابي، ويبقى أن يثبت الجميع على مواقفهم، وصولا إلى الحقيقة التي ينشدها الجميع، لإحقاق الحق وإنصاف المظلومين الذين وضعتهم القضية في دائرة الشبهات.
ولعل ما طرح من توصيات واقتراحات للتعامل مع الملف أمور جديرة بالأخذ في الاعتبار، ولاسيما أن المصيبة، كما قلت، كبيرة، وتنال من سمعة كل من يحمل شهادة عليا. ولعلي أذكر بعض ما طرح من أفكار لمعالجة القضية، قدمت بين يدي المعنيين في وزارة التربية ووزارة الدولية لشؤون مجلس الوزراء ووزارة الداخلية، واول هذه الاقتراحات إلغاء الاعتراف والمصادقة التي جرت للشهادات الوهمية وغير الحقيقية، ومحاكمة كل الأطراف التي يثبت عليها تزوير الشهادات، وإلزام كل من ثبت تزويره لشهادته أو التدليس بالحصول عليها، بإرجاع كل المبالغ التي حصل عليها في وظيفته بتعديل وضعه بعد نيل الشهادة، مع ضرورة البدء بالقياديين في الأجهزة الحكومية، خصوصا من هم في دوائر صنع القرار، بتجريدهم من مناصبهم وامتيازاتهم ومحاكمتهم، ليكونوا عبرة لغيرهم، ولإثبات جدية الحكومة في مواجهة فساد تزوير الشهادات العلمية الذي لا يضاهيه فساد.
وبانتظار أن ينجلي غبار معركة الحكومة مع المزورين، حتى نعلم من دلّس وزور ليحصل على لقب لا يستحقه، ولنحفظ حقوق من نالوا شهاداتهم بتعبهم وجهودهم وسهر لياليهم، ليعودوا مرفوعي الرأس بشهاداتهم، وإذا بهم يرون أن هناك من سبقهم بنيل الشهادة من دون جهد وترأسوهم أيضا!

h.alasidan@hotmail.com
Dralasidan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي