No Script

بوح صريح

سحب الدكتوراه منهم

تصغير
تكبير

يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
(إذا وجدت الملوك على أبواب العلماء، فقل نِعمَ الملوك ونِعمَ العلماء.
وإذا وجدت العلماء على أبواب الملوك، فقل بئس العلماء وبئس الملوك).


 خيبة نظامنا التعليمي ليست فقط كونه قديما ولا يواكب التغييرات والتطورات العصرية، بل لأنه يعتمد على التلقين واستنساخ المعلومة وترسيخ الكسل والغباء وعدم التشجيع على المغامرة العقلية بالسؤال والنقاش. إضافة لعدم غرس الأسس الأخلاقية لدى الفرد. وأن قيمته العقلية كإنسان لا تأتي ببطاقة سعر. فلا يجب أن يتنازل أو يتذلل لأحد، خصوصاً لو وصل لمرحلة من العطاء الأكاديمي والبحث العلمي كأستاذ أو دكتور.
لذلك أصدم كثيرا حين أرى أساتذة جامعيين أو غيرهم من باحثين أو علماء ومفكرين، يطرقون أبواب شيوخ أو ذوي سلطة لا يفقهون بالعلم شيئا لاهدائهم كتابا أو بحثاً، بل ان بعضهم يتعمد الكتابة في موضوع يخصه أو أسرته حتى يعطيه مكافأة نظير تأليف الكتاب... أي خسة وانحطاط نسمي هذا! ومتى كان الفكر ببطاقة سعر؟ لذلك أطالب بضرورة سحب الدكتوراه من هؤلاء الخائبين لأنهم لا يستحقون لقب دكتور، ولأن الذكاء يعادل الكبرياء والكرامة. فلا يليق بك لقب مفكر أو دكتور إن لم يقابله سقف عالٍ من الكبرياء والاعتزاز بالنفس. ثم كيف تأمن على طلبة يدرسهم وضيع كهذا؟
ثم لو أتينا لعمل موازنة، سنجد أن الأساس الأخلاقي مطلوب في هيكل شخصية الأستاذ والباحث. كما أن لا تعارض عامة بين الهوية الثقافية مع التطور العلمي والتكنولوجي، إذا ما قامت على أساس اخلاقي متين لما للتطور التكنولوجي من خروقات اخلاقية فادحة. كتعليم الكذب والخداع وتشويه الهوية وغيرها. لذلك كان لزاما أن يكون الخط الأخلاقي متزامنا ومتوازيا مع التطور التكنولوجي وليس متأخرا عنه.
يحضرني في هذا السياق بعض الفنانين العمالقة الذين كانوا يقبلون الرسم بالأجر لتغطية تكاليف الحياة وحتى تتسنى لهم الحرية الكافية للإبداع في عملهم الخاص. لكن كانوا يقدمون فنا راقيا، ليس كأستاذ جامعي اجتهد لنيل أرقى الدرجات العلمية وهي الدكتوراه، ثم يؤلف كتابا ضعيفا يغازل فيه شيخ أو غيره ليلتقط معه صورة ويقبض ثمن فكره في شيك... أي زمن بائس مادي نعيشه!!
أما الجانب الآخر المغاير من الموضوع، فيصور حال العلماء والمفكرين الشجعان الأصليين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لفكرهم ومبادئهم. وكان كل همهم تعليم الناس وإخراجهم من الظلمات للنور. وتطوير الحياة، فتعرضوا للتعذيب والتنكيل ولم يتخلوا أبدا عن علمهم أو أفكارهم. ومنهم على سبيل المثال:
- ابن المقفع، قتله أبو جعفر المنصور لاعتراضه على فساد ولي البصرة. قطع جسده وهو حي، وكان يلقي بالقطع أمامه في النار.
- الحلاج، قتله الخليفة المقتدر بالله بتهمة الكفر. ضرب أولا بألف سوط. ثم قطعت يديه ورجليه. رمي في النار ثم من فوق الجبل.
- ابن سينا، اتهم بأنه إمام الملحدين والكفار، وهدر دمه.
- أبو العلاء المعري، وصف بإمام الزنادقة والشرك والإلحاد.
- ابن رشد، وصف بالفيلسوف الشيطان الملحد... أحرقت مكتبته ثم نفي للمغرب.
- عباس بن فرناس، اتهم في عقيدته ووصف بالزنديق الساحر.
- الجاحظ، وصف بإمام البدع والانحراف والخرافة. واتهم بالزندقة وهدر دمه.
- الفارابي، وصف بالجاحد الملحد... ثم هدر دمه.
- الرازي، اتهم بالكفر والجنون لاتجاهه للفلسفة.
- الطبري، قتله الحنابلة برجمه بالحجارة.
- الحسن بن الهيثم، لقب بالزنديق الأكبر.
‏قرأت منذ فترة عن بروفيسور وعالم ذرة عراقي عبقري مشرد يعيش في شوارع بغدادـ يلجأ اليه طلبة الجامعة العراقيون لحل مسائل الكيمياء الذرية. هو أ. د. حميد خلف العكيدي العراقي، الحاصل على دكتوراه في الكيمياء الذرية. وبروفيسور الكيمياء النووية وأستاذ في جامعة كامبردج البريطانية خرج من السجون العراقية مشردا، ويعيش في المزابل وعلى فضلات الطعام.
إن قيمة الأمم بمكانة علمائها. فإن عاشوا في المزابل أو متسولين على أبواب الأمراء، فقل على الأمة السلام. فلا شيء يبقى بعد ذل العلم والعلماء.
‏يجلس السياسيون والتجار والاعلاميون الفاسدون لعقد صفقاتهم حتى تخمة المكاسب والأرباح، بضخ السموم في عقل ونفس وبدن الشعوب المدجنة المغيبة والمثقلة بالخيبات.
وتبقى العلوم والفنون والفلسفة والتعليم خارج الحسبة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي