No Script

رواق

الجرح السادس

تصغير
تكبير

كنت أنوي كتابة مقالة خفيفة عن خبر طريف صباح الخميس الماضي، حتى سارت رياح الفجيعة بما لا تشتهي الصحيفة بالرحيل المباغت والمبكر للصديقة الغالية لينا العجاجي، أميرة الشعر الغنائي... هتان.
تبلّدت كثيراً وأنا أرى تغريدة تواسي أبناءها غير مصدقة، لولا تطابق أسماء الأبناء لاعتقدت أنه مجرد تشابه، تمنيت لو أحداً ينفي الخبر، لكن التأكيد فاق قدرتي على التصديق، رغم إيماني المطلق بالقضاء والقدر.
الموت بالمطلق يعيد نظرتنا للحياة، كيف أنها أقصر مما نتوقع، ونحن في خضم صراعاتنا ونزاعاتها ينزع منا الموت ما يفوق كل مطالباتنا!


موحش رحيل الأصدقاء يخلّف فراغاً في الروح، فلا شيء يوجع المحب مثل رحيل مَن يحبهم قلبه، الفراق موجع في المطلق.
ورغم الألم ثمة أمل أن ينصف التاريخ الذين رحلوا، بعد أن ظلموا قبل الرحيل - ولو بعد فوات الأوان - فقد آن الأوان لمعرفة موهبة وذوق وفن شاعرة مرت من هنا اسمها هتان.
عرفت هتان عندما عرفتني في التسعينات كنت مثل أبناء جيلي، نطرب لأغاني المرحلة التي تسيدت كتابة كلماتها ابتداء من «يا سيدهم وينك»، مروراً بـ«لون ذا الليلة رمادي»، ولا تنتهي عند «عين الشمس».
لكن ما لم أتوقعه أن تكتب هذه الشاعرة الكبيرة مقالاً في مجلة «الحدث» - التي كنت أكتب فيها - تتطرق لأدائي أنا الصحافية المغمورة في بادئ ذي بدء البدايات!
كانت صداقة عن بُعد، قائمة على القراءة، وذكرت من قبل أن الكتابة تمنحك الكثير من الأصدقاء الافتراضيين، لكنهم أقرب من الأصدقاء الحقيقيين، فماذا لو اجتمع الاثنان، كما حصل في العلاقة الحاصلة بيني وبين لينا.
جمعنا «تويتر»، ومن يومها لم نفترق حتى عندما تفارق «تويتر» لم تفارقني، كانت الصديقة التي أفتح «الفويس نوت» لأتحدث إلى نفسي، ثم أرسل لها حديثي في «الواتساب»، وكانت مثلي تفعل بصوت كالبلسم لا أحتمل غيابه اليوم.
كنت أنوي أن أكتب عن شعر هتان وقضية لينا عن رحلة الاكتئاب، التي تسرق الأحباب - فيجب التعامل مع القضية بجدية - فغلبت مشاعري المقال الذي تمنيت ألّا اكتبه.
لينا العجاجي هي الشاعرة هتان... تغنت بشعرها حنجرة نوال «خمس جروح» هي في حد ذاتها جرح سادس بين «قلب ميت من الإهمال وصدمة حب مات برواقة بال... وأحزان من رأسي لأقدامي وهجران ماتت به أحلامي... ودمعٍ وقف بالعين جمرٍ حمر ما جاك... وخامس الاخماس يا سيدي الحساس اني انا كلّي ما عاد بي إحساس».
رحلت لينا وبقيت هتان، و«اللي كتب ما مات».
كنت أنوي كتابة مقالة خفيفة - الخميس الماضي ولكنها انتهت بمقالة ثقيلة على النفس يوم «الجمعة»، لعل الدعاء فيه مستجاب بالرحمة لمن رحلت في عيد الأم، رحم الله جميع الأمهات الراحلات وأمد الأحياء بالصحة والعافية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي