No Script

ببساطة

طق يا مطر!

تصغير
تكبير

جاءتنا أمطار الخير في الأسبوع الماضي لتسقي هذه الأرض الطبية، ولم تكتفِ تلك الأمطار بأن سقت الأرض  فحسب، بل استمرت بزخاتها لتكشف لنا فساد الحكومة يوماً بعد يوم، فبعد استمرار هطول الأمطار يوم الثلاثاء الماضي لساعات عدة غرقت الشوارع وبعض المساكن بسبب سوء الاستعداد وغياب التخطيط وتدني الكفاءة الحكومية...
فرغم تصريحات المسؤولين الحكوميين بالاستعداد الكامل لموسم الأمطار، إلا أن الواقع كشف لنا ذلك التدليس، فجاء الرد الحكومي سريعاً بإحالة مدير عام هيئة الطرق ووكيل وزارة الأشغال إلى التقاعد كنوع من المحاسبة السريعة، وهو أمر برأيي خطير ما لم يكن هناك تحقيق وإدانة فعلية، ولكن يبدو أن الحكومة «أبخص».    
ولم يمضِ يومان حتى عادت زخات المطر بكثافة يوم الجمعة لتؤكد أن الشق عود وأن الموضوع قد وصل إلى مستوى الكارثة، فقد غرقت مدينة صباح الأحمد «الحديثة» بالكامل وتدمرت شوارعها وبدت وكأنها قد تعرضت لقصف جوي بالقنابل العنقودية، ولم يقتصر الأمر على الخسائر المادية الكبيرة التي ألمت بالشوارع أو بالمواطنين والمقيمين جراء تحطم بيوتهم وسياراتهم، بل تعدى الأمر ذلك ليصل للخسائر في أرواح الناس، وهو الأمر المؤلم الذي لا يمكن السكوت عنه، فنحن جميعاً نعي بأن الكوارث الطبيعية أكبر من أن يتم التحكم بها، ولا يمكن لأي حكومة أن تسيطر على تلك الكوارث الطبيعية، ولكن هل ما مررنا به كارثة طبيعية؟


فالأمطار التي جاءتنا لم تكن بحجم وخطورة الأعاصير أو الزلازل أو حتى السيول الجارفة، وفي الوقت نفسه لا ننكر بأن كمية الأمطار كانت كبيرة جداً، ولكن كان من الممكن أن نتجاوز تلك الأمطار من دون الوصول لذلك الحجم من الخسائر كما حدث في المناطق القديمة، فما هو تفسير عدم تأثر المناطق القديمة بالدرجة نفسها من الضرر الذي أصاب المناطق الحديثة كمدينة صباح الأحمد السكنية، سوى أن الحكومة لم تقم بعملها، ولو أنها قامت بعملها على أكمل وجه، من خلال التخطيط السليم والرقابة الحقيقية على الشركات المسؤولة عن تنفيذ وصيانة مشاريع البنية التحتية ومحاسبة المقصرين، لما كان الضرر بهذا الحجم بتوقعي، لكن الفساد كان أكبر وأعمق كما جاء في مؤشر مدركات الفساد، فالتنفيع والمحاصصة والتهاون هو ديدن هذه الحكومة الفاقدة للكفاءة لإدارة شؤون البلد.
ولست هنا لأستغل هذا الحدث في الشماتة بالحكومة - لا سمح الله - فنحن جميعاً نعيش على هذه الأرض وما أصاب الكويت في الأيام السابقة أمر مؤلم ومؤسف ويمسنا جميعاً، وكنت أتمنى ألا تصل آثار تلك الأمطار إلى مستوى الكارثة، وهو ما لم يكن سيحدث لو أن هناك استعداداً حقيقياً، فالأمطار لم تكن مفاجئة بل قد تنبأ بها العديد من خبراء الأرصاد الجوية، كما أن الكميات لم تصل لمرحلة الـ«Flash flood» كما يروج البعض، ولو أنها حدثت بالفعل فإن أحد أهم أسبابها هو سوء شبكة مجاري الأمطار، لكن ما حدث فعلاً هو سوء الادارة والتخطيط، فلم يمض عام منذ غرق نفق المنقف حديث الإنشاء أول مرة جراء ساعات قليلة من تساقط الأمطار حتى تكرر غرقه قبل أيام، فهل كانت هناك محاسبة حقيقية للمتسبب بغرق ذلك النفق قبل عام؟ وهل تم تجنب أسباب ما حدث في العام الماضي؟
نحن اليوم أمام واقع وصول ذلك الحدث لمرحلة الكارثة، فهناك خسائر في الأرواح إضافة للخسائر المادية الكبيرة، وعلينا جميعاً أن نتعاضد كشعب لتخطي ما حدث، لكن هذا لا يعني أن نتجاوز عن السبب الرئيسي وراء وصول ذلك الحدث لمرحلة الكارثة، فالفساد المستشري ونهج التنفيع وسوء الإدارة والتخطيط هي الأسباب الرئيسية لما حدث، والمسؤول المباشر هي هذه الحكومة التي لم تمل من إثبات فشلها عاماً بعد عام، لذلك يجب عليها أن تتقبل عواقب تقصيرها وتتحمل مسؤوليتها وتبتعد عن إدارة البلد غير مأسوف عليها، كما يجب فتح ملفات جميع المشاريع السابقة للبنية التحتية والكشف عن عيوبها ومحاسبة المقصرين، وبالتأكيد يجب تفعيل المادة 25 من الدستور وتعويض جميع المتضررين من تلك الكارثة.
ختاماً، لا بد من الإشادة بالدور الكبير الذي قام به رجال الإطفاء والشرطة والحرس الوطني والجيش والكهرباء والإسعاف والكوادر الطبية، وجميع المواطنين والمقيمين ممن ساهموا بتقديم العون والمساعدة في تلك الظروف الصعبة، والجمعيات التعاونية التي هبّت لتقديم الخدمات المجانية للمواطنين المتضررين، فشكراً لهم جميعاً.

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي