No Script

حوار / «بكيتُ عند كتابة المَشهد الأخير فتلك كانت اللحظة الأصعب»

جنى نصرالله لـ «الراي»: «رحيل المدن»... رواية واقعية وليست لنكء الجراح

u062cu0646u0649 u0646u0635u0631u0627u0644u0644u0647
جنى نصرالله
تصغير
تكبير

في «رحيل المدن»
ما من نهاية محسومة
وبإمكان القارئ
تحديدها كما يشاء

علاقتي بالشخصيات
تصبح يومية
بعد أن تعيش معي
لفترة من الزمن



بين مَشهديْن متشابهيْن، تدور أحداث رواية «رحيل المدن» للكاتبة والصحافية جنى نصرالله، بعد أن تنطلق من لقاءٍ على «وداع» وتنتهي إليه، وما بينهما رحلات في المكان والزمان بدءاً من بيروت مروراً بدبي وباريس وحلب وهافانا وصولاً إلى سريلانكا في حقباتٍ زمنية مختلفة يَبْرز خلالها الرحيل كمصيرٍ مؤلم ليس للمدن فحسب بل لناسها ومَعالمها أيضاً.
في «رحيل المدن»- الصادرة أخيراً عن دار «رياض الريس للكتب والنشر»- تستعرض نصرالله حياة أسرة لبنانية انطلاقاً من دور محوري تلعبه الأم سارة، التي رسمتْ الحرب مستقبل أولادها، فودّعتهم الواحد تلو الآخر لتنأى بهم عن الاقتتال، فإذا بورد ولمى ومايا ورامي يعيشون ردحاً طويلاً من الزمن كلٌّ في بلد وبظروف مختلفة، تَعْرضها تباعاً الكاتبة في تسعة وعشرين فصلاً وعلى أكثر من خط زمني... فتتضح النتائج انطلاقاً من المسبّبات، وتتبدد التساؤلات حول الشخصيات، باستثناء ذاك الشك الذي يساور القارئ إزاء واقعية الأحداث ومتانة السرد عمّا إذا كانت أسرة جهاد بيضون حقيقية فعلاً وعاشت في أحد بيوت شارع الحمرا قبل أعوام.
كيف استعادت سارة نبضها في الرواية؟
الإجابة في رواية «رحيل المدن» التي كان حولها هذا الحوار لـ «الراي» مع الكاتبة جنى نصرالله:

• بين الحرب والهجرة وتَغيُّر المدن والناس وكل تلك المواضيع التي تشكّل هاجساً يومياً نعيشه وأثرْتها في «رحيل المدن»، هل تعمّدتِ نكء جراح اللبنانيين؟
ـ ليست لديّ نية لنكء جراح، ولم يكن الأمر وارداً حتى عند كتابة الرواية. فهذه الرواية واقعية، فيها واقع عشناه وما زلنا نعيشه، ولا شيء يوحي بأننا سنتوقف عن عيشه. لذا أفضّل تسميتها برواية واقعية من صلب حياتنا اليومية وعصرنا الحالي.
• يلاحظ قارئ الرواية أنك كتبتِ عن بيروت في مرحلتين، وكذلك حلب وباريس ودبي وحتى هافانا... لمَ اخترت «رحيل المدن» عنواناً وليس تَغيُّرها ربما... هل لأن الرحيل تعقبه عودة أقلّه على متن الذاكرة وهذا ما حصل فعلاً خلال الرواية؟
ـ العنوان مجازي بالطبع وفيه لعْب على الكلام. حين تخلو المدينة من الناس، وحين ترحل عنها آثارها وحضارتها بدمارها، ما الذي يبقى منها؟ يبقى اسمها. فهل حلب ما تزال اليوم مدينة موجودة فعلاً، أو حتى بيروت التي نحبّ دائماً القول إنها انتفضت وعاشت بعد أن دُمرت، هل ما زالت تشبه نفسها وما كانت عليه قديماً؟ ما حَدَث ليس تطور هذه المدن بل دمارها، فتغيّرت بذلك هويتها وشكلها وناسها. ولأن هناك فارقاً بين تطور مدينة ودمارها، اخترتُ عنوان «رحيل المدن» أي زوالها بالمعنى المجازي للكلمة طبعاً.
• عدد الشخصيات الرئيسية والثانوية كان كافياً لتحميلها الكثير من التناقضات في الأفكار وأنماط السلوك، فحتى الأخوة في الرواية مختلفون.. هل تعمّدتِ عكْس هذه المشهدية بملازمتها للواقع اللبناني، أم أن القضية المطروحة فَرَضت هذا الأمر؟
ـ هذه الرواية واقعية كما سبق أن ذكرتُ. وفي لبنان مثَل شعبي مفاده أن «ليست كل أصابعك متطابقة». وأنا لم أستخدم هذه الشخصيات لأوصل فكرة معينة، بل لأنهم يشبهون يومياتنا ويعكسون واقعنا. فكم من مشكلة تحدث في البيوت بسبب الانتماء والهوية، حتى داخل البيت الواحد. لذا من الطبيعي عدم الحديث عن عائلة نموذجية، التي وإن كانت موجودة لكنها ليست سمة عامة. هي مثالية وغير واقعية.
• مصير الشخصيات في نهاية الرواية جمعتْه نقطة التقاء، وهو كان متشابهاً في ما يتعلّق بالأخوة.. هل قدَر العائلة اللبنانية أن تجتمع في نهاية المطاف ولو على مصيبة؟
ـ الرواية انطلقتْ من مشهد وانتهت إلى آخر، لكنهما متشابهان. وأنا أحب دائماً النهايات المفتوحة، ولا أحب أن أقدّم للقارئ خاتمة محددة، بل أترك له حرية القرار. وفي رواية «رحيل المدن» ما من نهاية محسومة، وبإمكان القارئ تحديدها كما يشاء.
• بالنظر إلى الحادثة العالمية التي ارتبطتْ نهاية الرواية بها، نجد أنها «طازجة»، هل تحرّرت من عائلة سارة ومحيطها أم ليس بعد؟
ـ إحدى صديقاتي سألتْني عند قراءة صفحات من الرواية ـ وليس كلها ـ لمَ لا أستبدل اسمَي سارة ومايا فهما «قريبان على الأذن»، فتعجّبتُ وسألتُها ماذا تقولين؟ مايا شخص من لحم ودم وشكل وأنا أعرفها فكيف أغيّر اسمها؟
إن علاقتي بالشخصيات تصبح يومية بعد أن تعيش معي لفترة من الزمن. وإذا كان بالإمكان تغيير اسم أي شخصية بسهولة تقنياً بالحاسوب، إلا أن المسألة ليست في الواقع على هذا النحو. وبالتالي فإن الأمر صعب للغاية لا سيما وأن هؤلاء يعيشون معي وأحتاج إلى بعض الوقت كي أنفصل عنهم. حتى أنني أشتاق إليهم.
ولا أخفيكِ أنني عند كتابة المَشهد الأخير من الرواية بكيتُ، فتلك كانت اللحظة الأصعب.
• كم من الوقت تحتاجين للانفصال عن هذا العالم؟
ـ ما دام التفاعل موجوداً حول الرواية مع الناس، وما دمتُ أتلقى اتصالاً من هنا ورسالة من هناك تعبّر عن إعجابٍ بالرواية، لن يكون من السهل الانفصال عنها، فهذا كله يبقيني في عالمها.
وفي الحقيقة لست مستعجلة للانفصال عن الشخصيات لأنني مسرورة بها وأحبها.
• تقولين إن «الرواية لا تحقق النجاح إذا لم تتقاطع مع هواجس القارئ».. هل حقّقتْ «رحيل المدن» هذا النجاح لأنها تقاطعتْ فعلاً مع هواجس القارئ؟
ـ ليس المقصود بالهواجس تلك اليومية حصراً، بل كل ما يمرّ ببالك سواء من خيال أو أحلام أو كوابيس.. فكل ذلك أضعه تحت عنوان كبير اسمه الهواجس. وفي ما يتعلق بالرواية، فإن الهواجس هي تلك التي تُدْخِلُك إلى عالمها.
• الرواية حازتْ المرتبة الثالثة لجهة المبيعات في فئة الرواية في معرض بيروت العربي والدولي الأخير للكتاب، هل تترجم أرقام المبيعات هذا النجاح؟
ـ أرقام المبيعات في معرض الكتاب تحديداً لا تحمل أي دلالة. والرقم يبدأ بحمْل دلالة عندما تصبح الكتب مطروحة في المكتبات. وبعد أن تجتاز الطبعة الأولى فالثانية، تقولين إنّها حققتْ نجاحاً. أما المبيعات في معرض الكتاب فهي نوع من العلاقات، لذا فهي ليست بمقياس، وإن كان المعرض يعطي الكاتب نوعاً من السعادة ويشجعه ويُكبِّر التحدي. وأنا لا أقلل هنا من قيمة الرقم في معرض الكتاب، إلا أنني أقول إن الدلالة الكبرى تأتي بعد معرض الكتاب أي في المكتبات والأسواق.
• هل بدأتِ بالتحضير لعمل جديد؟
ـ هناك الكثير من الأفكار لكنها ما زالت في رأسي، ولا شيء على مستوى الورقة والقلَم بعد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي