No Script

مشهد / لعنة النفط والمستقبل المجهول

تصغير
تكبير
مضى ما يقارب من ثمانية عقود على بداية اكتشاف النفط في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في دولنا العربية، ومنذ ذلك اليوم بدأت عملية النمو الاقتصادي والنهضة العمرانية في دولنا وفي شتى المجالات، ثم تطور الأمر لاحقا في استعمال النفط كسلاح ردع فعال مثل ما حدث في سبعينات القرن الماضي إلى أن وصل الأمر إلى ما يسمى بصناعة النفط والتي كانت عائداتها مجزية جدا، وما إن ازدادت الفوائض المالية حتى بدأنا نشهد نمو الاستثمارات العربية في كل دول العالم على شكل صناديق استثمارية وأخرى على شكل شراء أندية رياضية شهيرة أو في الحصول على حصص كبيرة من أسهم الشركات العالمية، كل هذا وأكثر ما ساعد على دفع عملية النمو في أوطاننا بشكل لم يسبق له مثيل بعد العقود العجاف التي سبقت الاستقلال وذلك خلال فترات الاستعمار الأوروبي البغيض.انضمت الكثير من الدول العربية لمنظمة الأوبك (منظمة الدول المنتجة للنفط) ثم عقب ذلك تم تأسيس منظمة الأوابك العربية التي تضم في كنفها أعضاء من الدول العربية المنتجة للنفط وبدأت منذ ذلك الحين تلك الدول في تنظيم سياساتها الانتاجية والتسويقية بما يخدم مصالح شعوبها ورفاهيتهم.

تمتع المواطن العربي نسبيا بخيرات النفط في وطنه فتضاعف دخله السنوي أضعافا وتحسن التعليم وتطورت الخدمات الصحية وبدأت النهضة في كل مناحي الحياة وانطلق المواطن العربي متوجها للغرب للحصول على أعلى الشهادات العلمية ما انعكس إيجابا على جودة ومستوى الحياة للمواطن، وفاض هذا الخير العميم ليشمل الدول العربية الأخرى حيث توافد الباحثون عن الفرص سعيا وراء الرزق ولتحسين دخولهم المادية المعدومة حينها في أوطانهم، وتشكلت في الدول المنتجة للنفط صناديق خاصة لتمويل المشاريع الحيوية في الدول العربية والإسلامية مثل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية وغيرها من الجمعيات الخيرية التي ساهمت وبشكل فعال في تقليل آثار الفقر المدقع على تلك الشعوب.

ولكن... ما الذي حصل؟ ولماذا تباطأت عجلة التنمية أو بدأت في التراجع؟ ولماذا انقلب هذا الشعور الجميل بالرضا والقناعة لدى المواطن إلى شعور بالأسى والحزن على ما بدأت تؤول إليه الأمور؟ وكيف تحولت الدول المنتجة للنفط من دول جاذبة إلى دول شبه طاردة مثل ما حصل في العراق وليبيا وغيرها؟... أسئلة عديدة والإجابة عنها تحتاج لخبراء في النفط والسياسة وخفايا الأمور لكي يجيبوا عنها، ولكني كمواطن عربي أرى أن السياسة المتذبذبة وغياب الأمن والعدالة الاجتماعية في بلداننا والمكائد والمؤامرات الخارجية الدائمة قد لعبت دورا كبيرا في التقليل من أثر عوائد النفط على المواطن.

ففي تلك الدول التي تنتج حصصا كبيرة جدا من النفط لم يقم بعض الساسة بتسخير هذه الثروة لخدمة شعوبهم وبناء دولهم بقدر ما استغلوا المال في بناء ثرواتهم الشخصية وتحطيم معارضيهم وخنق شعوبهم وصرف الأموال على المغامرات غير المدروسة وصفقات الأسلحة الضخمة والشهوات والملذات الحياتية وغيرها من أوجه الفساد من التعدي على المال العام التي أكلت الأخضر واليابس فلم تبق ولم تذر، فضاع العراق في أتون حرب طائفية وبدأ مشروع تفتيته يتشكل أمامنا تدريجيا، وها هي ليبيا تعاني من ويلات التنظيمات الإرهابية التي تفتك بالمواطن الليبي بالإضافة إلى الصراع على السلطة والمال من أبناء الوطن الواحد في مشهد محزن لم يسبق أن رأيناه في تاريخنا المعاصر. أما الجزائر والحمدلله فما زالت الأمور فيها تحت السيطرة ولم تنطلق الفتنة من عقالها بعد وإن لم يتدارك المسؤولون الوضع فإننا نسأل الله لهم السلامة والنجاة.لقد بلغ اليأس بالمواطن العربي حدا وصل به إلى قناعة تامة بأن النفط نقمة وابتلاء من الله سبحانه وتعالى ولم يكن خيرا أبدا، وأنه لعنة مثل لعنة الفراعنة تقتل كل من يقترب منها. ففي السابق كنا نتهم الاستعمار بنهب خيرات بلادنا والسيطرة على مقدراتها وتسخير شعوب المنطقة لخدمة مشروعهم الاستعماري ولكن بعد الاستقلال الذي حدث وتسلم أبناء الوطن لدفة الحكم في بلادهم، ومع وجود هذه الثروة الوطنية الهائلة فإنه لم يعد لهم عذر أبدا في إلقاء كل التهم المعدة مسبقا للغرب أو تعليق خيباتهم وفشل خططهم على شماعة المؤامرات الغربية؛ وإن كانت لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.فظاهر الأمر أن دولنا بدأت تدور فيها عجلة النمو الاقتصادي ولكن الله أعلم بباطنه، فالأمور ليست على ما يرام وانخفاض أسعار البترول قد وجه لنا صفعة قوية كي نستفيق من غفلتنا قبل فوات الأوان وعندها لن ينفع البكاء ولا العويل على سالف الأيام وقديم الزمان.

إن أساس بناء المجتمعات والدول قائم على تنمية الفرد وتعزيز مكانة الأسرة وتقديم الصالح العام على المصالح الشخصية والفئوية والجهوية والطائفية والحزبية، وعندما يكون الفائض المالي من عوائد النفط قد تم تسخيره في الاتجاه الصحيح فهو نعمة من الله أما إذا انعكس الحال فسوف ينقلب الأمر إلى نقمة وكارثة لا سمح الله. فالاستثمار في الإنسان هو أول الواجبات التي يجب أن تقدمها الدولة لمواطنيها ولنا في ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية نماذج حية ماثلة أمامنا حين تمت تنمية العنصر البشري واهتموا بتعليمه كهدف استراتيجي ما أدى إلى طفرة اقتصادية هائلة في تلك البلدان غير النفطية والتي لا تملك من الثروات سوى الإنسان فقط.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي