No Script

تقرير / لماذا لم يهاجم الأسد «داعش» من قبل؟

«النصرة» تخشى التسوية في سورية

تصغير
تكبير
بدأت المعارضة السورية وعلى رأسها «جبهة النصرة» تشعر بأن وقف اطلاق النار لم يعد يصب في مصلحتها، خصوصاً ان الجيش السوري وحلفاءه ينصرفون لضرب «داعش».

وتعتقد «النصرة» ان مشروع وقف النار ومشروع التسوية او الانتخابات الديموقراطية خطر وجودي عليها لانها تعمل على إنشاء دولة يحكمها الاسلام وليست علمانية، وهذا ما يفكر به ايضاً جزء ليس بقليل من «حركة احرار الشام» التي تمثل الثقل الاكبر في شمال سورية، مع فصائل متشددة اخرى تعمل كلها تحت عنوان «جيش الفتح».

ويعتقد هؤلاء ان الطيران الروسي وحلفاء سورية على الارض، تفرغوا لقتال «داعش» وانتصروا على هذا التنظيم في تدمر، واليوم تدور المعارك في محيط مدينة القريتين حيث يوجد التنظيم، تمهيداً لطرده من البادية فتصبح الطريق الى دير الزور سالكة، الا ان ما تخشاه «النصرة» هو ان تدور مدافع دمشق نحوها عندما تنتهي من محاصرة «داعش»، خصوصاً ان روسيا والولايات المتحدة الاميركية ضد اي طرف يخرق وقف اطلاق النار، وان واشنطن مستعدة لرفع الغطاء عن كل من يريد ضرب خريطة الطريق السورية نحو التسوية، ومن السذاجة الاعتقاد ان «النصرة» ستسلم لمشروع تسوية لا تؤمن به. وهي تملك اكثر من عشرة آلاف مقاتل، ثلثهم على الاقل، من المقاتلين الاجانب.

ولكن السؤال هو: لماذا لم تهاجم قوات دمشق تنظيم «داعش» من قبل؟

يعتقد بعض الخبراء في الشأن السوري في الغرب ان اتفاقاً كان سارياً بين زعيم «داعش» ابو بكر البغدادي والرئيس بشار الاسد حول تجنب الصدام لسنوات، وخصوصاً بين ابريل 2013 واغسطس 2014. ومن الطبيعي ان تكثر التحليلات الخاطئة في الغرب خاصة بين اولئك الذين لم تطأ اقدامهم سورية والبعيدين عن الواقع العسكري السوري. وتالياً ما حصل هو الآتي:

• في ابريل 2013، اعلن البغدادي اندماج «الدولة الاسلامية في العراق» مع «جبهة النصرة» لتصبح «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ما دفع بزعيم «النصرة» ابو محمد الجولاني الى رفض الاندماج واعلان البيعة لزعيم «القاعدة» ايمن الظواهري.

واتضح لدمشق وحلفائها في العراق ولبنان وايران ان المعركة في العراق وسورية مترابطة، وان الدور آت على بلاد الشام وبالتالي فمن غير الممكن فصل ما يحدث في سورية لا سيما مصير دمشق عن مصير دول الجوار.

• في الشهر نفسه التقى الاسد بالامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في دمشق واتفقا على زج القوى كلها في معركة سورية انطلاقاً من وحدة المصير.

• في 19 مايو 2013، بدأت معركة القصير بعدما تأكد لدمشق وحلفائها ان الوضع العسكري اصبح حرجاً جداً وان «النصرة» وحلفاءها اصبحوا في ساحة العباسيين في دمشق واحتلوا محيط العاصمة واصبحوا يشكلون خطراً عليها وعلى الحدود اللبنانية - السورية بعدما احتلوا اكثر من مدينة على تخومها.

• في يونيو 2013 شن الجيش السوري وحلفاؤه معركة استعادة الغوطة والقابون وبرزة وجوبر والحجر الاسود والبغدلية ومحيط مطار دمشق، وفي عدرا لانقاذ دمشق قبل سقوطها بيد «النصرة» وحلفائها والا سقط معها النظام السوري.

• في اغسطس 2013، هاجم الجيش السوري وحلفاؤه حرستا وزملكا وعين ترما.

• في سبتمبر 2013 هاجمت «النصرة» معلولا وفي الاشهر التي تلتها، اخذت راهبات معلولا كرهائن.

• في مارس 2014، بدأت المعركة بين «النصرة» و«داعش» في دير الزور للسيطرة على المدينة وعلى آبار النفط المحيطة بها.

• في الشهر نفسه هاجم الجيش السوري يبرود والنبك ومزارع ريما لحماية الحدود اللبنانية - السورية ووقف تدفق المساعدات البشرية العسكرية للمسلحين ودرء الخطر عن لبنان ودمشق.

وكانت قد وضعت الخطط لبدء المواجهة منذ 2013، للمحافظة على النظام بعدما كان مهدداً بالسقوط بين يوم وآخر، واتفق الحلفاء على الآتي:

- حماية دمشق من السقوط ومنع الامدادات عن المسلحين حولها وداخلها وعلى طول الشريط الحدودي مع لبنان.

- اعادة بناء القوى المسلحة للجيش بعد فرار اعداد هائلة منه والتحاقهم بالمسلحين او الذهاب الى منازلهم.

- بناء قوى رديفة كجيش الدفاع الوطني ليكون السند الاول للجيش واشراك الشعب في القتال.

- حماية حمص وحماة وحلب واللاذقية وترك شرق سورية والبادية لعدم وجود امكانية بشرية وعسكرية لحمايتها. وقد استغل «داعش» هذا الضعف الظاهر وهاجم في يوليو 2014 الفرقة 17 في شمال الرقة ومطار كويرس العسكري في غرب حلب وسيطر على مطار الطبقة شمال شرقي حلب وقتل كل من اسره من الجنود والضباط السوريين.

- قرر المجتمعون حماية «سورية المفيدة» مثل العاصمة التي تمثل ثقل ومركز النظام، وحمص كونها اكبر محافظة سورية تلامس حدودها لبنان والعراق، وحماة الملاصقة لحمص، وحلب التي تعد العاصمة الاقتصادية لسورية. كما اتفقوا على حماية المطار الرئيسي في دمشق ومحيطه، وكذلك المنفذ البحري المتمثل باللاذقية ومحافظتها.

- اعتبرت محافظة ادلب من اخطر المحافظات التي تجب حمايتها لان عين تركيا عليها، ولملاصقتها محافظة اللاذقية وجبل الاكراد شمالاً وغرباً.

لم يعتبر «داعش» في اي وقت من الاوقات خطرا آنيا على النظام لتواجده في مناطق مفتوحة شرقاً، مما يجعل من المستحيل بالنسبة الى دمشق الوصول اليها، وتخطي «النصرة» وحلفائها الذين يشلكون الخطر الاني الاكبر على النظام.

الا ان الدفة قلبت من الميمنة الى الميسرة عندما سمحت تركيا بدخول الالاف من «النصرة» وحلفائها لأخذ محافظة ادلب وجسر الشغور، حيث اعتبرت دمشق وحلفاؤها ان تركيا خرقت الخطوط الحمر، وتالياً فما كان من دمشق وحلفائها الا اللجوء الى روسيا، وانكفأ الجيش السوري من جديد الى داخل المدن، بعدما خسر ادلب وريفها واندفعت «النصرة» مع حلفائها الى اللاذقية وشكلت طوقاً شمالاً ودخلت مدينة كسب وبدأت الصواريخ تطول قلب اللاذقية. إزاء ذلك ما كان من ايران الا ان طلبت، مع دمشق، التدخل الروسي الذي قلب المعادلة في الاشهر الاولى من حضور الطائرات الى سورية.

غير ان اسقاط طائرة «سوخوي 24» في نهاية 2015 دفع روسيا الى زج قوات اضافية، برية وجوية، واصبح شغلها الشاغل اخراج تركيا وحلفائها من سورية. واستطاعت موسكو مع حلفائها على الارض استعادة محافظة اللاذقية واريافها كاملة وامنت غطاء لاستعادة درعا، واعطت دفعاً حول العاصمة وكذلك في المناطق التي سيطر عليها «داعش» وآخرها تدمر.

اذاً مرت دمشق بأزمات حادة قاربت الهاوية عندما وصلت «النصرة» الى داخل العاصمة في 2013 وعندما احتلت إدلب وبدأ شبح التقسيم يحوم حول سورية. الا ان انتصار النظام في تدمر ليس هو الاول من نوعه كما يعتقد بعض الهواة، بل استعادة محيط دمشق هو الانتصار الاول، والقلمون هو الثاني واللاذقية ومحيطها واريافها هو الثالث.

ومن المؤكد ان روسيا فرضت الحل، كما فرضت وقف اطلاق النار، بالتعاون مع الولايات المتحدة، وان الحرب على «داعش» تزيد من قوة روسيا في المضي بالحل السلمي مع بقية اطراف المعارضة، ما عدا «النصرة»، الا اذا قررت التخلي عن اسهمها ومشروعها وهذا مستبعد في الوقت الراهن.

لذلك فمن المتوقع ان تشهد الساحة السورية بعض الانتكاسات، الا ان روسيا و الولايات المتحدة مصممتان على المضي قدماً في مشروع المصالحة والانتخابات واعداد دستور جديد للبلاد وضرب «داعش»... وبعده «النصرة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي