No Script

إضاءات

المثقف... والسلام الداخلي

No Image
تصغير
تكبير

الثقافة ليست ترفاً ولا وجاهة... هكذا علمنا الكبار من أدبائنا الكويتيين والعرب، ونحن في مراحل عمرية مختلفة، ولم نشاهدهم يوما يتفاخرون بإبداعاتهم وثقافاتهم، ولكننا رأيناهم في هيئة التواضع والبساطة، والرغبة في أن يكونوا عناصر مؤثرة وفاعلة في حياة المجتمع.
فحينما نتتبع سير المبدعين الرواد فسنجد فيها الكثير من الصفات التي نعتز بها ونتخذها قدوة لنا، فالعقاد مثلا كان متواضعا حتى في مظهره الخارجي، رغم امتلاكه لكل مقومات المثقف الذي كان له دور مؤثر في حياتنا قديما وحديثا، وقد ترك لنا إرثا معرفيا سيظل إلى أبد الآبدين نرتشف منه رحيق الثقافة، وكذلك طه حسين والرافعي والجواهري وعبد العزيز الرشيد وعبد العزيز حسين وغيرهم الكثير من الأسماء التي تحتاج لمجلدات لو أردنا التحدث عنها، وعن منجزاتها الثقافية الخالدة، فقد كان أصحابها يمتلكون قدرا كبيرا من التواضع والتسامح.
أقول ما قلته، وأنا أشاهد مدى الكبر الذي قد يعتري بعض أدبائنا الصغار وهم يتفاخرون بمنجزاتهم التي أراها في طور البدايات، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم قد أتوا بما لم يأت به أحد بمثله.
فحينما تتابع الصفحات على «تويتر» و»الفيس بوك» «والواتس» وغيرها، سيدهشك سعي هؤلاء إلى الشهرة وتمجيد ما يكتبون من خلال دعوة الأصدقاء لمديحها، وفي النهاية لا تجد في مضمون هذا الكتابات ما يستدعي هذه الهالات من التمجيد والمديح، وفهم ليس لديهم الصبر في انتظار رأي القارئ الذي يعد هو المحك في جودة ورداءة أي عمل.
وعليه فقد ظهرت أشياء غير مجدية للحركة الثقافية ليس في الكويت فقط ولكن في مختلف البلدان العربية، وهذه الأشياء تتمثل في انشغال الكاتب نفسه بالترويج لأعماله الإبداعية بأي شكل، فنراه يكثر من وجوده على مواقع التواصل الاجتماعي، لحصد الإعجاب والمديح، والسعي بكل همة إلى إعطاء صورة وهمية وغير صحيحة لما أنجزه.
ولقد جعلني هذا الأمر أتحسر على الأيام التي كان فيها المبدع أو الكاتب يطرح عمله في صورته الورقية، ولا يسعى مطلقا لنيل المديح من أحد، ومن ثم فإن ذائقة المتلقي هي التي تحدد إن كان عمله ناجحا أو لا، والآن هناك ترصد وتعمد لتزييف الذائقة من خلال الدعاية والترويج على مواقع التواصل الاجتماعي.
ليس هذا فقط ولكننا نجد من زعم نجاح عمله - أو توهم - قد ركبه الكبر وتعامل مع نفسه من منطلق الشخص المشهور صاحب الأعمال المتميزة، وهذا الشأن لا يمت للثقافة والإبداع بصلة، فالمثقف والمبدع هو شخص في طبعه التواضع والسلام الداخلي، لأنه يعمل من أجل خدمة المجتمع، وليس من أجل الوجاهة أو الفخر.

كاتب وأكاديمي كويتي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي