No Script

من الخميس إلى الخميس

الثورة القادمة

تصغير
تكبير

السؤال الذي أتمنى تدريسه في مدارسنا هو: لماذا يجب أن نختلف؟
إننا مختلفون في أشكالنا وطبائعنا وعاداتنا وأذواقنا، فهل يجب أن نتوحّد في أفكارنا؟ إذاً الاختلاف هو الأصل وليس الاتفاق، وعليهِ يُصبِحُ اختلاف الآراء هو الأصل ولا يستحقُ منا الصراعَ ولا الكراهية.
يجب أن نكون مختلفين، هكذا وُلدنا وهكذا نعيش وأخيراً سنموت. وإذا توافقنا مع شخص الْيَوْمَ مهما كان قريبا منا في أفكاره فسوف نختلف معه غداً، فالأصل هو تَقبُّل الخلاف واعتبارِهِ جزءاً من الحياة، لا سيما في هذا العصر الجديد.


وكما هي الأرواح تتقارب فإن الأفكار أيضا تتقارب، ولَستَ ملزماً أن تستمع إلى ما يبعث في نفسك الحُزن، لذا تجد الناس يستمعون إلى ما يحبون، ولو اطلّعت على منازل الشعب الواحد، وربما في الحي الواحد، لوجدت اختلافا في القنوات التلفزيونية التي يستمعون لها، فمنهم من يعشق الأخبار ومنهم من يتابع المسلسلات ومنهم من يرى القنوات النقاشية وحتى على النوع الواحد ترى الخلاف، فهناك من يستمع لقنوات تهاجم أميركا ومنهم من يستمع لقنوات تهاجم الروس ومنهم من يؤيد حركة الإخوان المسلمين ومنهم من يحارب الإخوان ومنهم من يقف مع التمدد الإيراني ويبرره ومنهم من يحارب التدخل الفارسي في البلاد العربية، وبالطبع كل شخصٍ تمت تغذيتُهُ إعلاميا بِما يُحِّبُ أن يسمع وسوف لن ينفع معه نقاش ولا ضغط لتغيير أفكاره، فإدمان الاستماع إلى الأفكار هو عملية غسيل دماغ وبرمجة يَصْعُبُ تجاوزها.
إننا الْيَوْمَ نعيش في عالم آخر، عالمَ ٌ تمكّن فيه الإعلام من بسط نفوذه على العقول وتجاوبت معه النفوس، فلا يُّحب الإنسان أن يسمع إلا لما يعزز ما يُؤْمِن به ويرتاح له، وهذا متوفر لكل واحد وفق هواه، حتى الإلحاد تجد له الْيَوْمَ قنوات خاصة، والشذوذ تجد له قنوات يقبل عليها الشواذ ليعززوا من حججهم ويقووا موقفهم أمام أنفسهم.
عصرنا اليوم والعصر المقبل سيكون عصر فرز العقول، بحجم فرز القنوات الفضائية والمتابعات على شبكات التواصل، وربما تجد مجموعةً من نفس البلد يقطنون نفس الشارع ويلبسون نفس الملبس ويتكلمون اللهجة نفسها ولكن كل واحد منهم بعيد جدا عن الآخر، وقد يكون واحد في أقصى الأرض أقرب لهم ممن هو لصيق بهم في دارهم.
إذاً من المهم أن نُعلِّم أطفالنا كيف نتعايش ونحن مختلفون، بدل أن نعلمهم كيف نحاول أن نتجانس، فقد انتهى زمن النقاش للوصول إلى قواعد مشتركة وبدأ عصر القبول، القبول وليس الرِضى، القبول بالآخر مهما كان شاذاً في أفكاره.
ألا ترون كمية الشتائم التي يتم تبادلها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولو سمح لهم بالتواصل الجسدي لمزّق بعضهم بعضا.
لا أستبعد في القريب أن تتكون جيوش أفكار لا يَحِدُّها مكان ولا تمنعُها حدود، وأن تتحول هذه الجيوش إلى قوى تؤثر في إدارة البلاد وتحديد من يحكم، ولن تُستثنى من ذلك أكبر الدول.
العلاج الوحيد لهذا الخطر المقبل، هو تعليم أبنائنا كيف يكونوا مختلفين، عندها فقط تتوقف البرمجة العقلية عند التنظير ولا تتحول إلى سلوك ميداني ويَقبَلُ البعضُ البعضَ الآخرَ حتى لو لم يُؤْمِن أو يرضى أو حتى يستمع له.
انتهى عصر المحاججات والنقاشات من أجل تغيير القناعات، وتم فرز العقول ربما لخطرٍ كبيرٍ مقبل إن لم نتعلم قبول الخلاف، أمّا الهِداية إلى الحق والهدى فقد كانت وما زالت وستبقى بيد الخالق جل شأنه.
 
kalsalehdr@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي