No Script

ماذا لو... ؟

إساءة وإحسان

No Image
تصغير
تكبير

قال له: ما رأيك أن أعلمك فناً أصيلاً، به يمكنك أن تتخذ مكانة بارزة بين الناس؟
رد: وما هو؟ قال: فن الإساءة، فإن أحسنته اتقاك الناس فأمنت مكرهم، واشتراك البعض بأغلى سعر ليأمنوا شرك، وتداولك المريدون على صفحات التواصل فأصبحت علما يشار له بالبنان .
رد: وهل الإساءة فن؟
قال: نعم هي فن، وكل فن له أصوله ومقوماته وقواعده التي يجب أن نتعلمها ونمارسها، فهي تحتاج ممن يمارسها التخلي عن الأصول والقواعد والأدب والحياء، والتحلي بنوع من السفاهة وسوء الخلق، لهذا تجد من أدمن الإساءة يشار له أنه من أسافل الناس وأجهلهم وأبعدهم عن التحلي بمكارم الأخلاق، فهل لك أن تتقنها ؟
إنها من أربح تجارات العصر وأيسره، لكنها تترك بصماتها التي لا تمحى في النفوس جميعا، نفس المسيء والمساء إليه على حد سواء، فإن رضيت لنفسك قسطها، تعال أعلمك فنونها.
رد بدهشة: كيف؟ كيف تترك أثرا في نفس من مارسها؟
قال: يقول أحد السابقين: ما أحسنتُ إلى أحدٍ، وما أسأتُ إلى أحدٍ، وإنَّما أحسنتُ إلى نفسي، وأسأتُ إلى نفسي، ومَن رضي بالإِسَاءة، شهد على نفسه بالرَّداءة والدَّناءة.
إن احترام الآخرين واحترام مشاعرهم احترام لذاتك، والإساءة لهم تأصيل لهوية تنتظرك، ما إن تسيء وتستمرئ الإساءة حتى تصبح هويتك، بها يعرفك الناس، وعلى أساسها يصنفونك، ويتقونك ما دمت قوياً، لكنهم يضطهدونك متى ما ضعفت، وتذكر أن الناس لا ترحم ليس لأنهم قساة لا يعرفون الرحمة بل لأن للإنسان ذاكرة لا يستطيع الفكاك منها، بها يعيش وهي التي تنير له طريقه، وتحدد اتجاهات رأيه وميوله وأهوائه، فإن أصبحت الإساءة هويتك لن تستطيع محوها وعليك أن تتقبل أن يعاملك الناس على أساسها متى ما احتجت إليهم.
إن النوايا والأفعال الآنية تؤثر على المستقبل، فحسن النية والعمل الخير يسهم في إيجاد السعادة في المستقبل، والنية السيئة والفعل السيئ يسهم في إيجاد المعاناة في المستقبل.  إن أي عملٍ، خيرا كان أو شرا، وأيا كان مصدره، فعلا أو قولا أو حتى مجرد فكرة، لا بد أن تترتب عليه عواقب، ما دام قد نَتَج عن وعي وإدراك مثل شجرة زرعتها فأخذت تنمو وتنمو فيها ثمارها، وبمجرد أن تنضج تسقط على صاحبها، فيكون جزاؤه إما طيبها أو خبثها، فتخير لنفسك ولا تلومن أحدا غيرها .
فإن كنت تشتهي الإساءة، وتفضل مرابحها، ففنونها ليست عصية المنال، وطرقها معبدة واضحة، لكن تذكر وأنت تسير فيها، تلك الشجرة التي تخيرت أن تغرسها لنفسك بيديك، وتذكر طعم ثمارها الذي لن يجني حنظلها إلا أنت وحدك، ولا تفكر مطلقا في طلب الرحمة ممن أسأت إليهم، فالناس يصبرون على المظالم ولا ينسونها، إنما يتحينون الفرصة للقصاص.
فهل مازلت تريد أن أعلمك فن الإساءة، ليتقيك الناس ويشتروك بالغالي ويتباروا في مدحك اتقاء لشرك؟ إنها الوصفة السهلة لتصبح سيدا لزمن وعبدا ذليلاً لأزمان، فأفعالنا ما هي إلا بذور نبذرها وقد تصبح في غفلة منا أشجارا ضخمة يصعب اقتلاعها.

hanaank64@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي