No Script

تقرير / مع تصاعد أزمة فضيحة «تآمر» الرئيس الأميركي مع روسيا

انقسام في صفوف الجمهوريين حيال «إطاحة» ترامب

تصغير
تكبير
تداعي روايته عن عدم لقائه أو مساعديه مع مسؤولين روس أجبره على محاولة تشتيت الانتباه
أن يشنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوماً عنيفاً ضد سلفه باراك أوباما بتهمة التنصت على «برج ترامب» أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، وأن يلتزم الصمت بعد نشر موقع «ويكيليكس» آلاف الوثائق السرية التابعة لـ «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي)، هو تصرف يثير ريبة غالبية الاميركيين لناحية انحياز ترامب المتواصل لمصلحة روسيا - عدوة اميركا التقليدية - على حساب وطنه أميركا.

تورط ترامب ومساعديه مع موسكو تحوّل قضية ترتبط بالأمن القومي للولايات المتحدة، إذ لا يهم الحريصون على البلاد من أعضاء الكونغرس وقيادات وكالات الاستخبارات كيف هزم ترامب الجمهوري منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، بل ما يهم هؤلاء هو ما الذي وعد ترامب به الروس كجزء من انخراط الطرفين في عملية اختراق البريد الالكتروني للحزب الديموقراطي ولمسؤولي حملة كلينتون الانتخابية.

ترامب، الذي أصر في بادئ الأمر أن لا هو ولا أي أحد من العاملين في ادارته، وقبل ذلك في حملته الانتخابية، تواصل مع أي مسؤولين روس، وجد نفسه يتقهقر مع تواتر الدلائل التي تدحض ذلك. الأنباء الاولى اجبرت ترامب على إقالة مستشاره للأمن القومي مايكل فلين بسبب مخابراته مع السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك. التقارير التالية أظهرت ان وزير العدل جف سيشنز كان يكذب عندما قال في جلسة الاستماع التي كانت مخصصة للمصادقة على تعيينه انه لم يلتق اي مسؤولين روس، ليتبين في ما بعد انه - اثناء عمله كقيادي في حملة ترامب -التقى كيسلياك مرتين.

بعد سيشنز، تبين ان صهر ترامب جارد كوشنير التقى السفير الروسي ايضا، وان جاي غوردن، الذي كان مسؤولا في الحملة الانتخابية، مارس ضغوطا على الحزب الجمهوري لاستبدال فقرة «تسليح الاوكرانيين ضد روسيا»، التي وردت في البيان الانتخابي للحزب الجمهوري، بعبارة «مساعدة الاوكرانيين ضد روسيا». وتبين أن التغيير طالب به قسطنطين كيليمنيك، وهو ضابط في الاستخبارات الروسية، زار نيويورك في يوليوالماضي والتقى بول مانوفورت، رئيس حملة ترامب السابق، الذي اظهرت البيانات التي صادرها الناشطون الاوكرانيون في قصر رئيسهم المخلوع فيكتور يانيكوفيتش، انه (مانوفورت) تقاضى ما مجموعه 12.7 مليون دولار من يانيكوفيتش، صديق وحليف رئيس روسيا فلاديمير بوتين.

ويبدو أن تداعي رواية ترامب عن عدم لقائه او مساعديه مع مسؤولين روس اجبره على محاولة تشتيت الانتباه، فتلقف تقريرا اخباريا نشره موقع «برايتبارت»، الفاقد للمصداقية عموما والذي يشغل رئيسه ستيفن بانون موقع مستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية. وجاء في التقرير ان أوباما أمر بالتجسس على المرشح ترامب، فدبّج ترامب ذلك في تغريدة بثّها عبر موقع «تويتر»، وهو اتهام بمثابة إخبار يجبر المحاكم الاميركية على التحري عن صحته لمقاضاة الرئيس السابق في حال ثبت تورطه، أو محاسبة الرئيس الحالي على بثه قدح وذم بحق سلفه.

على ان القدح والذم ليسا مشكلة ترامب، بل ان مشكلته تكمن في ان تغريدته ستجبر اجهزة الشرطة والقضاء الاميركي على التحري عن موضوع «تجسس» أوباما عليه، وهو ما يفتح الباب للانخراط في تحقيق حول اسباب التجسس المزعوم، أي تورط ترامب مع الروس في اختراق حسابات بريد الكتروني اميركية، وهي بمثابة تعامل ترامب مع قوة اجنبية للتدخل في العملية الديموقراطية الاميركية.

هكذا، راح اعضاء الكونغرس من الحزبين يتوافدون على مقر الـ «سي آي اي» في ضاحية لانغلي بولاية فيرجينيا، غرب العاصمة الاميركية. وفتحت الوكالة «مواد استخباراتية أولية»، لاطلاع المشرعين، أي انهم اطلعوا على تسجيلات تنصت وتقارير عملاء من دون أي تحليلات او توصيات من خبراء الوكالة.

على ان المشكلة تكمن في ان رئيسي لجنتي الاستخبارات في الكونغرس بغرفتيه، ريتشارد بير في الشيوخ وآدم شافتز في النواب، هما من المقربين من ترامب وسبق ان شاركا في العمل في حملته الرئاسية، ما ينذر بانحيازهما لمصلحة الرئيس ومحاولتهما التعتيم على اي نتائج قد لا تأتي في مصلحته، وهو ما حمل مشرعي الحزب الديموقراطي المعارض على المطالبة بلجنة من الحزبين، على غرار لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر 2001، او تعيين محقق غير حزبي مستقل لكشف المستور.

يذكر ان عاملا سابقا في الاستخبارات البريطانية «ام آي 6» كان اول من كشف، في تحقيق مولّه معارضون لترامب الصيف الماضي، ان ترامب اتفق مع الروس على مساعدتهم له في الحملة الانتخابية، مقابل تغاضيه عن احتلال روسيا شبه جزيرة القرم الاوكرانية، وهو ما لاحت بوادره في قيام مساعدي ترامب بتعديل البرنامج الانتخابي للحزب الجمهوري.

يرافق تراجع ترامب عن القرم قيام وزير خارجيته ريكس تيلرسون بحملة تطهير داخل وزارته طالت ديبلوماسيين محترفين غير حزبيين، بعضهم يعمل في الوزارة منذ اكثر من 40 عاما. كما وعد ترامب وتيلرسون على تخفيض موازنة الوزارة السنوية بواقع 37 في المئة. وقيام ترامب بتحطيم وزارة الخارجية الاميركية تراه غالبية الخبراء الاميركيين بمثابة خدمة لبوتين، الذي يبدو انه يكره الوزارة منذ وصفت الوزيرة السابقة كلينتون انتخابات روسيا في العام 2011 انها «لا حرة ولا عادلة».

لم يسبق ان وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف «خيانة» يقوم بها رئيسها لمصلحة اعدائها. الجمهوريون، الاكثر حنقا على روسيا عادة، ينقسمون بين مترددين في الحاق الاذى برئيس من حزبهم مع ما يعني ذلك من ضرر على حزبهم ومستقبله السياسي في المستقبل المنظور، وبين راغبين في طرد ترامب ووقفه قبل امعانه في الحاق الاذى بالولايات المتحدة لمصلحة روسيا. اما الديموقراطيون، فيجمعون على ضرورة طرد ترامب مهما كان الثمن.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي