No Script

سحب السيارات مستمر على أبسط المخالفات ولا مكان للتنبيه والتوعية

مطلوب حملات وليس «حفلات» مرورية!

تصغير
تكبير
  • حجز سيارات وسحب رخص السوق بسبب مخالفات حدد القانون صراحة أن عقوبتها الغرامة المالية فقط!

    وظيفة رجال المرور الأصيلة ضبط الحركة المرورية وضمان تطبيق القانون... بلا تعسّف

    طوابير الازدحام تمتد لكيلومترات بسبب الإشارات الضوئية وغياب «المرور»

     لا مكان للحوار بين رجل المرور ومستخدم الطريق والاعتراض  أو الشرح... ممنوع !

    في الدول المتقدمة الحوار بين رجل المرور ومستخدم الطريق أساس تنفيذ القانون  ... وفي الكويت عدم الاستماع أو السماح بالاعتراض هو «القانون»


عندما أعلنت وزارة الداخلية تعليق تطبيق حجز السيارات بسبب مخالفتي التحدث بالهاتف وعدم وضع حزام الأمان، كان العنصر الأبرز مراعاة الحالات الإنسانية وتجاوباً مع الاعتراض الشعبي والنيابي على قسوة العقوبة مقارنة بالمخالفة، ثم استقرت على تعليق تطبيق قرار الحجز بانتظار دراسات أشمل للقانون المروري.
انخفض معدل المخالفات والحوادث المرورية بعد القرارات الأخيرة بشهادة الجميع، لكن سحب السيارات استمر على أبسط المخالفات بعيداً عن أعين الإعلام، بعدما تسبب «الاستعراض» في عدد المخالفات المسجلة والسيارات المحجوزة عبر الإعلام في وقت سابق في رد فعل معارض كبير في المجتمع، وأوجد رأياً عاماً ناقماً على القرارات المرورية التي تم اتخاذها.
لكن الوزارة لم تبرر سبب «الحفلات المرورية» التي تقيمها في أكثر من مكان، حيث تستغل موقفاً عاماً كنقطة تجمع للونشات المرورية «المتلهفة» لتحميل السيارات ونقلها إلى كراجات الحجز، فيما تجوب دورية أو أكثر الشوارع المحيطة لـ«اصطياد» مخالفات بعضها لا يستوجب أكثر من تنبيه توعوي للسائق من رجل المرور، والبعض الآخر مجرد مخالفة بغرامة مالية يقررها القانون لحض السائق على عدم المخالفة مجدداً، فيما القليل جداً يستوجب الحجز. لكن المطلوب هو حجز جميع السيارات التي يتم استيقاف قائديها.


«حفلات مرورية» عدتها رجل مرور ودورية أو أكثر وعدد من الونشات، مكانها موقع عام واسع، موعد انطلاقها غير محدد، وموعد انتهائها عند تحرك آخر ونش محملاً بسيارة إلى كراج الحجز، عندئذ يعلن انتهاء الحملة أو «الحفلة» المرورية، وتنتفي الحاجة إلى وجود رجل المرور في الموقع بعد انتهاء مهمته بحجز العدد المطلوب لليوم.
«الحفلة» المرورية لا تكتمل إلا بوجود «مدعوين» كثر لتحميل سياراتهم على أسطح الونشات التي حضرت إلى الموقع ولا يجب أن تعود فارغة، فالمطلوب حجز عدد من السيارات بقدر الونشات الحاضرة ولا عزاء لـ«الإنسانية» و«التوعية» التي تستعرض الوزارة بها في مواجهة من ينتقدها.
مؤسف مشهد طالب كويتي لم يتعدَ العشرين ربيعاً وهو يتوسل لضابط شاب أن يكتفي بتسجيل مخالفة بسبب ملصق «ستيكر» وألا يحجز سيارته التي لا يملك وسيلة غيرها لحضور امتحاناته في الجامعة.. «سجل المخالفة وانزع الستيكر يا معود» يقول الطالب للضابط متأملاً برأفته ليأتي الرد «لا تسولف... صعّد سيارتك الكرين وتعال»، يزيد الطالب «تكفى طلبتك، عندي امتحانات أبي ألحق عليها.. والله ما ادري ممنوع» فيسمع الرد مجدداً «شلون ما تعرف.. صعّد السيارة وخلاص...».
ومؤلم رؤية والد يرجو رجل المرور أن يسمح له بأخذ سيارته كي يصل إلى بيته للاطمئنان إلى طفلته المريضة من دون أن يلقى أذناً صاغية أو التفاتة نحوه.
ومؤسف ألا يكون رجل المرور مستعداً لمجرد سماع وافد خمسيني يتوسل إليه أيضاً أن مخالفته بسيطة ولا داعي لحجز السيارة التي يقل بها أطفاله إلى المدرسة ويصل بها دوامه. «لا تكلمني» يأتيه الجواب، وكأنه بات مجرماً والحديث معه حرام.
عشرات تجمعوا في ساحة «الحفلة» المرورية يدورون في حلقة مفرغة حول المسؤول المروري الذي يرفض الاستماع إلى أي توضيح منهم، وحوّل دوره من تنظيم حركة مرور السيارات إلى تنظيم حركة الونشات التي تنقل السيارات إلى كراج حجز تحت أنظار أصحابها المصدومين من عقوبة يعلمون تماماً أنها قاسية جداً ولا يستحقونها من دون أن يتمكنوا من مجرد الحديث قبل تحرك «الكرين»، وساعتها لا ينفع الحديث أو الكلام.
في الدول المتقدمة التي تسعى الكويت لتكون في مصافها، الحوار بين رجل الشرطة أو المرور ومستخدم الطريق أساس تنفيذ القانون لأن الهدف هو ضبط الحركة المرورية لتجنب ارتكاب المخالفات، وهذا يتأتى بتوعية قائد المركبات بسبب المخالفة التي تم توقيفه وسحب مركبته بسببها، وليس التعسف والتعنت بسحب الأوراق والرخصة وتحميل السيارة للحجز ثم توقيع صاحبها على إيصال بالمخالفة والحجز، أما هنا فعدم الاستماع للمواطن أو الوافد وعدم السماح له بالاعتراض هو القانون لدى رجل المرور.
وعود على بدء، قرار وقف سحب السيارات بسبب حزام الأمان والهاتف الذي لقي ترحيباً وإشادة يبدو انه يتم تعويضه بسحب السيارات لمخالفات أخرى يتم تكييفها بما يتماشى مع القرارات في هذا الشأن.
قبل تنفيذ القوانين والقرارات، وقبل سن قوانين مرورية جديدة، المطلوب إعادة الثقة بين السائق ورجل المرور، المطلوب حملات توعوية جادة في الشارع تصل إلى مستخدمي الطريق الفعليين.
من غير المنطقي أن يتم حرمان رب أسرة من سيارته بسبب زجاج سيارته المظلل من المصنع الذي لا يمكن تغييره. ومن غير المنطقي سحب سيارة رجل مسن بعد منتصف الليل في الشارع في محافظة فيما هو يقطن في محافظة أخرى بسبب توقفه لثوان يميناً لإنزال أحد المرافقين، فتمت مخالفته بـ«تهمة» تعمد عرقلة حركة السير. ومن غير المنطقي أيضاً أن يكون حجز أو سحب السيارة هو الهدف ويتم تكييف المخالفة لتحقيقه، وغض النظر عن مخالفات جسيمة أخرى لسبب أو لآخر.
أما بعد انتهاء الحفلة، تبدأ رحلة أخرى، فالمخالفة تحرر في محافظة، ودفعها يتم في محافظة ثانية، وتسلم السيارة من محافظة ثالثة، وقبل كل ذلك فإن وصول المخالفة إلى النظام الآلي للمرور يتطلب أياماً وأياماً قد تمتد إلى أسابيع أيضاً، ثم يخرج من «الداخلية» من يقول ان حجز السيارة ليس هدفاً وأن تعطيل أعمال الناس غير مقبول!
أما الأدهى فهو تسلم السيارة من الحجز «نظيفة» تماماً من أي متعلقات يكون قد نسيها صاحبها فيها عند مخالفته، من علبة المناديل التي قد تكون الأرخص إلى ما قد يكون أغلى وأثمن، ومن دون أدنى مسؤولية تتحملها «الداخلية» تجاه ذلك. وقد تجد غطاء محرك سيارتك مفتوحاً من دون سبب فتنظر مستغرباً من دون أن تعرف ما إذا كان ثمة شيء مفقود أيضاً.
ويبقى سؤال عن معايير تقدير حالات سحب وحجز السيارات في مخالفات ينص القانون صراحة على أن عقوبتها الغرامة فقط، ماذا عمن تعطلت أعماله وتكبد مصاريف سيارة بديلة ورسوم حجز سيارته لمخالفة تبين في النهاية أنها لم تكن تستوجب حجز السيارة؟! ماذا عن حالات حجز لسيارات أو سحب لرخص السوق على مخالفات حدد القانون صراحة أن عقوبتها الغرامة المالية ولم ينص على غير ذلك؟
هذا الأمر يدعونا إلى استرجاع وظيفة رجال المرور الأصيلة التي تتمثل في ضبط الحركة المرورية وضمان تطبيق القانون، فالمطلوب أن يكون الهدف الأسمى لرجل المرور العمل على تسيير حركة السيارات وفك الازدحامات في الطرق والشوارع، وخصوصاً القريبة من مناطق السكن وحول المدارس وقت ذهاب الطلاب إليها وخروجهم منها.
نحتاج إلى تواجد رجل المرور في أوقات الذروة خصوصاً مع بداية أو انتهاء الدوامات ليكون في «الميدان»، فمن غير المنطقي أن يمتد طابور السيارات بضع كيلومترات بسبب برمجة الإشارة الضوئية التي لا تتناسب مع أوقات الذروة، وسط غياب التواجد الميداني لرجل المرور في مثل هذه الظروف.
تلك الوظيفة، من أجلها وضع رجال المرور في أماكنهم في الأساس، أو الانطلاق ناحية طريق مزدحم أو حادث سيارة عطل حركة السير كي يخففوا على الناس وطأة الزحام بعمل إنساني يتمثل في إدارة الإشارات المرورية يدوياً بدلاً من التحفز و«التصيد» والبحث عن «فرائس» لمخالفتها وحجز سياراتهم لمجرد نسيان أحدهم وضع حزام الأمان، أو اضطرار آخر للرد على مكالمة مهمة أو إجراء اتصال ضروري!
خلاصة القول، تطبيق القانون وردع المخالفين لا جدال فيه، وكنا أول من أشاد بإجراءات «المرور» عندما اتخذت قراراتها الأخيرة، وكتبت «الراي» حينها بالخط العريض «لا تخالف... لا تخاف»، لكن التطبيق أظهر عكس ما أعلن، وبات يصح القول «ستخالف... خاف»، فالمطلوب «حملات مرورية» حقيقية تضبط حركة الشارع وتطبق القانون بلا تعسف بدل «الحفلات المرورية» التي تقوم بها وزارة الداخلية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي