No Script

الأكراد أكبر الخاسرين

أميركا وروسيا تسيران على حافة الهاوية في سورية

تصغير
تكبير
تتصاعد وتيرةُ المعركة بين حلفاء الولايات المتحدة وحلفاء روسيا على الخريطة السورية الشمالية - الشرقية، ما يشكل خطراً حقيقياً من أن «تنزلق» الدول العظمى إلى مواجهةٍ مباشرة لحماية مصالحها. إلا أن الغلبة لن تكون لواشنطن في نهاية المطاف وسيدفع حلفاؤها - وعلى رأس هؤلاء أكراد سورية - الثمن باهظاً.

من الواضح أن صقور واشنطن يعتقدون أن باستطاعتهم استفزاز أو الاستخفاف بموسكو في سورية. فقد قصفتْ أميركا مطار الشعيرات الذي تتواجد فيها قواتٌ روسية مع أخرى سوريّة. وقصفتْ طائراتُ واشنطن ثلاث مرات حلفاء روسيا على مسافة قريبة من المعبر الحدودي السوري - العراقي في التنف. وفي الساعات الأخيرة، أسقطت الولايات المتحدة طائرة سورية وهي تُغير على مناطق سيطرة «داعش» أثناء تَقدُّم القوات الكردية المدعومة من واشنطن في منطقةٍ قريبة من الرصافة في ريف الرقة. وكل هذه الأعمال العسكرية «العدائية» حصلتْ ضدّ الجيش السوري على أرض سورية، ضمن أعمالٍ حربية لا يحقّ لواشنطن القيام بها ما دامت لا تتعلّق بمكافحة الإرهاب بل ببسْط واشنطن نفوذها وسيطرتها على أرضٍ تنوي احتلالها داخل سورية من دون أي غطاءٍ دولي شرعي.

ومن الواضح أن واشنطن لا تعير أيّ اهتمام يُذكر لردّة فعل موسكو على ضرب الطائرات الأميركية لحلفاء روسيا في سورية أثناء تقدُّم هؤلاء لاستعادة الأرض. إلا أن روسيا ستردّ، وهي تردّ بقصْف حلفاء واشنطن في سورية. ومن غير المستبعد أن تقصف طائراتٌ أميركية مجموعاتٍ سوريّة تتواجد فيها قواتٌ روسية أو تقصف روسيا مجموعاتٍ كردية تتواجد معها قواتٌ أميركية. وعندها تخرج الأمور عن السيطرة أو تُضرب هيبة دولة عظمى فتحاول التعويض بطريقة أخرى.

وها هي إيران ترفع مستوى التوتر في سورية والمنطقة باستخدامها صواريخ بالستية مداها أكثر من 700 كيلومتر لتوجّه رسائل متعدّدة الوجه الى أميركا وحلفائها في المنطقة، وذلك بعد 24 ساعة من صدور قرار الحظر الأميركي على البرنامج الصاروخي الإيراني. فقد ضربتْ طهران عرْض الحائط بالقرار الأميركي، فاستخدمتْ صواريخها البعيدة المدى لتقول لواشنطن إن قراراتها لا تعنيها، وأن ذراع إيران طويلة ويمكن أن تضرب أيّ هدفٍ في الشرق الأوسط، وأن إيران خرجتْ عن كل القواعد المتعارَف عليها لتردّ حين تشاء وحيث تريد، وانها تضرب من كردستان - إيران «داعش» الذي كان أرسل إيرانيين لتنفيذ عمليتيْن انتحاريتيْن مزدوجتين في طهران، وان إيران لن تتخلى عن سورية خصوصاً دير الزور، حيث حاولتْ أميركا كسْر دفاعات الجيش السوري بضرْبه العام الماضي في جبال الثردة المطلة على المطار الذي يمثّل خط الإمداد الوحيد الجوي للمدينة المحاصَرة منذ 30 شهراً ما أعطى «داعش» الغلبة والتفوّق وسمح بتقسيم دير الزور الى جزئين واحتلال أجزاء من المطار. وها هي إيران تقول إنها لن تسمح بسقوط المدينة وستحاول مع حلفائها التقدّم نحوها في الأشهر المقبلة.

أما روسيا فها هي ترسل المزيد من الأسلحة الصاروخية للدفاع الجوي لتسلّمها الى سورية التي لن تتردّد في قصْف وإسقاط اي طائرة تابعة للتحالف الأميركي، خصوصاً أن جنودَ وقوات موسكو يتواجدون على أرضها لحمايتها من ردات الفعل الأميركية. وقد أوقفت موسكو التعاون مع أميركا بتوجيه إنذارٍ واضح بأنها ستتصرّف مع أيّ هدف جوي يحلّق في سماء سورية.

وفي غمرة هذا كله، تتحرّك القوات العراقية على الخط الحدودي مع سورية لتؤكد لأميركا أنها تتعاون مع دمشق من خارج أيّ مشروع أميركي في المنطقة.

إذاً كل القوى على الأرض - ما عدا الأكراد وبعض فلول القوات السورية المعارِضة - تعمل وستعمل ضدّ أميركا في سورية ابتداءً من «داعش»، وتنظيم «القاعدة»، وتركيا التي ترفض الدعم الأميركي للأكراد، ودمشق التي ستضرب الأكراد بعد الانتهاء من «داعش»، وحلفاء دمشق الذين ينتظرون الفرصة المناسِبة لضرْب القوات الأميركية على غرار ما فعل «حزب الله» اللبناني في بيروت (مقرّ المارينز وتدمير السفارة الأميركية). وهكذا فقد كسبت الولايات المتحدة الكثير من الأعداء والقليل من الأصدقاء الذين سيجدون أنفسهم لوحدهم، لأن أميركا ستتخلى عنهم عاجلاً أم آجلاً لأنها لا تبني علاقاتها على صداقات بل على مصالح مشتركة.

وقد أخطأ أكراد سورية وتبنّوا خطواتٍ لم يعتمدها يوماً أكراد العراق: فهم أعلنوا العداء لدمشق وتحالفوا مع أميركا وحلفائها في المنطقة، واتّخذوا موقفاً معادياً لإيران وقبِلوا بأن يصبحوا محرقة بالاندفاع نحو مدينة الرقة ذات الغالبية العربية. وتالياً هم الخاسِر المستقبلي الأكبر لأن قوات دمشق تسير بمحاذاتهم اليوم لتمنعهم من التمدُّد في ريف الرقة أو احتلال مناطق نفطية، ليصبحوا هم العدو بعد «داعش» بعدما كانوا حلفاء صامتين، ولن يُسمح لهم أبداً بفيدرالية كانت دمشق لا تعارضها، إلا أن انضمام الأكراد الى كنف أميركا في محيطٍ يبلغ فيه العداء لواشنطن مستوى غير مسبوق في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، يجعل خيار الأكراد انتحارياً وبعيداً عن الاستراتيجية.

وهكذا، من الواضح أن أميركا ستخسر في بلاد الشام وسيخسر معها أصدقاؤها الموقتون في المنطقة، وستكون الغلبة لروسيا وحلفائها الذين يعملون بتصميمٍ وبقوّةٍ لا يُستهان بها على أرض سورية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي