No Script

خواطر صعلوك

نحو خطاب وطني اجتماعي

تصغير
تكبير

يمكن لك عزيزي القارئ أن تعتبرني من الذين صبروا طويلاً دونما جزع، وهم ينتظرون أي صيغة إنقاذ لطرح موضوع الهوية الوطنية في الكويت من دون تصدير خطاب يُساء فهمه أكثر مما يتم استيعاب أهميته.
وكنت أعتقد أن نطح صخور موضوع مثل هذا هو أسوأ ما يمكن للوعول أو الكتاب أن يفعلوه، خصوصا أننا منذ العصر القديم الذي كنا نخوّف أبناءنا فيه من «السعلو»، وحتى العصر الحديث الذي أصبحنا نخوف فيه أبناءنا فيه من الشرطة، لم نجد نافذة تطل بانسيابية على أفق اجتماعي خلاق في موضوع «الهوية الوطنية».
ولكن يبدو عزيزي القارئ أن نطح الصخور ليس أسوأ ما يمكن أن تفعله الوعول، فقد قامت الهيئة العامة للشباب بطبع كتاب غاية في الأهمية تحت عنوان «الهوية الوطنية للقيادات الشبابية» والذي أشرفت عليه الدكتورة معصومة المطيري، والتي قدمت من قبل بحثين في الموضوع ذاته، الأول بعنوان: قلق المستقبل وأثره على المواطنة والانتماء، والآخر بعنوان المواطنة وكيفية تدريس التربية الوطنية.


الهوية الوطنية للقيادات الشبابية كتاب جاء غلافه خالياً من الأسماء، وقرأته في صباح جاء مبكرا على غير عادته، فتفاجأت أنه برنامج ممنهج يجيب عن تسؤلات مهمة دائما تطرح نفسها بين الحين والاخر، ثم تعيد طرح نفسها كدائرة كهربائية لا تنتهي وتتحول إلى مربع مرعب عند تصديرها في المجال العام.
من هم أهل الكويت؟ وما هي علاقتنا بالمكان؟ وما هي الأنماط السلوكية والقواعد والعادات التي يؤمن بها الكبار ويودون غرسها في الصغار؟ وما هي المرتكزات لخطاب وطني اجتماعي؟
إنه ليس كتاب تاريخ، أو جغرافيا، أو علم اجتماع، لكنه يضع نقاطاً مرجعية لزماننا ومكاننا، وليس وثيقة رسمية تقول من هم «أهل الكويت»، ولكنه برنامج يشير إلى الأفق الذي صنعهم، يضع علامات ودلالات لجذورنا وكيف ولماذا أصبحنا هنا؟
 يشير من بعيد بيد واحدة كالتمثال أحيانا ويدعك تسير وحدك لتكتشف الهوية، وأحيانا أخرى يتحرك معك كالنهر ويأخذ بيدك من خلال تمارين وتدريبات وأسئلة إجاباتها ليست أهم من السؤال ذاته.
ينطلق من الإطار المعرفي للهوية الوطنية وقوتها وأهميتها في عالم متغير، والأصالة والمعاصرة في التكوين والاستمرارية، ويأخذك في رحلة بين البر والبحر والبراحة، وصلابة الشخصية الكويتية التي انعكست على سفنها، وفراسة البادية التي انعكست في معاركها، قراءة في عبقرية المكان وشخصية الكويت، ووحدات تدريبية مهمة تشير إلى أن الوطنية ليست موجودة بمعزل عنا كالنجوم أو الأشجار، بل ممارسة اجتماعية نمارسها أسفل المنصات وليس أعلاها فقط ويختم الكتاب نفسه بنبذة عن العمل الشبابي في الكويت ثم أداة قياس للهوية الوطنية من أجل التقييم.
لكل فكرة تداعياتها، ولكل برنامج تثقيفي أو تعليمي أو إثرائي نتائجه، وهذا الكتاب بالتحديد ستكون تجلياته أكبر من عدد صفحاته أو أهدافه العامة فقط لو تم النزول به لقطاعات المدارس والجامعات والمعاهد ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من القطاعات التي تضم قيادات شبابية ليجيب عن السؤال الكبير... من نحن؟ وما الذي نتميز به عن الآخر؟
بالتأكيد أن فكرة مثل هذه لم تغب عن واضعي البرنامج، ولكن «ثقب الهوية» والسعار الوطني الذي يجعل فئة تطغى على فئة، والشعارات المرفوعة عن المواطنة وحب الوطن في العلن وإخراج اللسان في السر، وقتل معاني الترابط، وتعزيز التفكيك عبر العزف على الفئوية أيا كان شكلها وتشكلاتها ومبرراتها... كل هذه أشياء تجعلنا نستعجل أي صيغة إنقاذ نحو خطاب وطني اجتماعي ينظر ويبحث وينمي ايجابيا المرتكزات الأساسية والصفات العامة والوعي المشترك تجاه المشاكل والهموم ومحاولة إبراز الحلول التي تهم المجتمع كله بصفته كيانا يضم تحته مجموع الفئات التي تسعى المدينة بمؤسساتها الوطنية إلى جعله متجانسا ومتعايشا ومساهما وفاعلا في مشروع الدولة الكبير الذي يهتم أولا وأخيرا بفكرة الاستمرارية السياسية والاستدامة الاقتصادية والنماء الاجتماعي.
قد يبدو هذا الطرح ساذجا عند البعض، وهو ساذج فعلا لكل الذين يسيرون كالطاووس معتقدين أن العالم كله يسير خلفهم، ولكني أسال الله أن يبعثه في نفوسهم، كلما أرادوا أن يتكلموا عن «أهل الكويت».
شكرا للهيئة العامة للشباب على هذا السفر الوطني المعد بعناية.
كاتب كويتي
moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي