No Script

جودة الحياة

حرب الشوارع

No Image
تصغير
تكبير

أسرت لي صديقتي عن مخاوفها بصدد اقتراب ابنها من السن القانونية التي تخوله الحصول على رخصة القيادة، لأنها تخشى على فلذة كبدها من أخطار وحوادث الطريق وستبقى في قلق دائم طالما ابنها خارج المنزل يقود سيارته، ولن يهدأ لها بال حتى تقر عينها بعودته إلى البيت، خصوصاً بعد ان صارت طرقنا تشهد حوادث مروعة، تزهق فيها أرواح الأهل والأحبة.
فما إن نقبع خلف مقود السيارة ونقرأ دعاء الركوب والمعوذات وما تيسر مما نحفظه من كتاب الله، وننطلق إلى وجهتنا، حتى نجد أنفسنا في ساحة معارك، أبطالها السرعات والسباقات في الشوارع، ويصبح كل همنا أن نصل إلى أماكن عملنا، ونعود بعد ذلك إلى بيوتنا سالمين ونحمد الله على أننا عدنا بخير وسلامة.
وبعد أن كانت قيادة المركبات فن وذوق وأخلاق، أصبحت شوارعنا بالنسبة للبعض حلبات للتسابق، وتعريض مرتادي الطريق إلى أخطار ومصائب الحوادث. وشتان ما بين من يتعرضون للأخطار أثناء قيامهم بواجباتهم تجاه أهلهم ومجتمعاتهم، وبين من يعرضون أنفسهم والآخرين للأخطار لمجرد نزوة، أو بحث عن تسلية ومغامرات لا تُحمد عقباها، حيث بينت الإحصائيات أن الكويت تحتل المراتب الأولى بالنسبة لوفيات وإصابات حوادث الطرق.
إن قيادة المركبة فضلاً على أنها ذوق وأخلاق وتعامل راقٍ مع الآخرين أثناء القيادة، فهي فن وخبرة وتحتاج إلى يقظة فائقة لتلافي أخطار وحوادث الطريق.
وما زلت أذكر نصائح والدي رحمه الله حين كان يحثني على الانتباه والتركيز أثناء القيادة، فمهما التزمنا بقواعد المرور، فقد يصادفنا آخرون يعرضون حياتنا للأخطار بسبب رعونتهم واستهتارهم، فنحن نستطيع أن نضمن أنفسنا، ولكن من يضمن لنا الآخرين.
ومما يزيد في أسفنا ويدخل الحزن والأسى إلى قلوبنا أن أكثر من تتعرض حياتهم للحوادث والأخطار، هم الذين لا ناقة لهم ولا جمل في التسبب بتلك الحوادث، فهم ملتزمون بقواعد وقوانين المرور، ولكن رعونة الآخرين أوقعتهم في مطبات الأخطار.
فما ذنب الآخرين إذا كان مزاجنا سيئاً أو كنا متأخرين عن دوامنا؟ أليس من الأفضل أن نخرج مبكرين إلى أعمالنا تلافياً للتأخر وتحسباً لمفاجآت الطريق.
كلنا على يقين أنه مهما بذلت الدولة من جهد وقوانين لتفادي حوادث المرور والتقليل من خسائرها، فإن ذلك لن يكتب له النجاح طالما أن الأفراد لم يصلوا إلى القناعة بأهمية الالتزام النابع من الذات وليس الالتزام المبني على الخوف من العقاب وهذا بدوره ضروري. ونحن هنا لسنا بصدد وضع الحلول للأزمات المرورية، بل كل ما نريده ونؤكد عليه هو أن نتفادى قدر الإمكان أن يصيب أحبتنا وأحبة الآخرين الأذى فنخسرهم ويخسرهم المجتمع.
ختاماً كيف لنا أن نصل إلى شوارع خالية من الفوضى والأخطار، وتنعم بالانسيابية؟
إن الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بتوعية أبنائنا منذ نعومة أظفارهم، وهذا لا يكون فقط من خلال المناهج التربوية، بل الأهم في ذلك هو القدوة الصالحة، فلا يعقل أن يقود أولياء الأمور مركباتهم برعونة واستهتار، ثم يطلبوا من أولادهم الالتزام بقوانين وقواعد المرور.
ونهمس في آذان أحبتنا من مرتادي الطريق، ونذكرهم بأن حياتهم وسلامتهم تهمنا، ولا تنسوا أن هناك أحبة ينتظرون عودتكم إليهم، فأنتم الأغلى في عيونهم، وأنتم تعنون لهم الكثير، وخسارتهم لكم ستكون بمثابة فاجعة ومصيبة تحل بهم، فأرفقوا بأحبتكم وأحبة الآخرين ولا تكونوا سبباً في حرمان هؤلاء الأحبة من أهلهم فتنكسر قلوبهم. وكما تحبون أن تعودوا سالمين، دعوا الآخرين يعودوا سالمين إلى أحبتهم، وتذكروا أن وجودنا بين الأحبة نعمة من نعم الله فلا تفرطوا بهذه النعمة العظيمة بسبب حرب تخوضها المركبات في شوارعنا.

 كاتبة كويتية ومستشار جودة الحياة
Twitter : t_almutairi
Instagram: t_almutairii
 talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي