No Script

صدى التعصب

تصغير
تكبير
يكثر الحديث عن مشكلات الوحدة الوطنية، وأسلوب صيانتها والحفاظ عليها، وأهمية قطاعات التعليم والإعلام والأسرة والمسجد وغيرها من مؤسسات في ترسيخ ثقافة التضامن الاجتماعي لكن، للأسف، لا تأتي النتائج بحسب ما يتوقع لها.

فالحديث المكرر عن الوحدة الوطنية من دون تفعيل مكونات تماسكها ونظامها يجعلها مجرد شعار أو تكسب سياسي على حساب الأمن والاستقرار، والتضامن الاجتماعي والسياسي.

كل شيء قابل للخلاف والاختلاف فيه إلا الوحدة الوطنية، فالأحزاب في الدول المتقدمة تختلف في أساليب بناء الدولة ونهضتها، لكنها متفقة على أهمية البناء والاتفاق على الثوابت. لذلك نجد الاختلاف في المتغيرات الموجهة لترسيخ الوحدة الوطنية والتعمير والحريات والديمقراطية والرفاهية، لكنها متغيرات تظل خاضعة للثوابت الأساسية الداعمة لوجود نهضة المجتمع.

ومع ذلك تظل عناصر هدم الوحدة الوطنية كثيرة، ولا تتوقف على جانب من دون آخر رغم أن ثقل هذه العناصر ودورها في الهدم متباينة. فالمذهبية مثلاً عنصر ثقيل الوزن في تفكك النسيج الاجتماعي، وانهيار الدولة الحديثة. والأمثلة على ذلك كثيرة نلاحظها في العراق ولبنان وسورية، وكيف تجزأت دولة يوغسلافيا سابقاً إلى دول متناحرة مثل البوسنا وصربيا والجبل الأسود وكرواتيا، وكذلك الصراع الإثني الدائر في عدد من الدول الأفريقية. لقد دمر التعصب والخلاف المذهبي نفوس المواطنين في الكثير من الدول، وتطور الخلاف إلى حروب أهلية مازالت آثارها قائمة في مجتمعات كثيرة.

لهذا فإن الطائفية تساهم في هدم التضامن، وخلق بؤر الصراع والكراهية، والميل نحو الفئوية التي تعمل لصالحها في أشكال متناحرة ونافرة لأطراف ضد أخرى تستخدم الدين في التفرقة. ولقد وجد من تجارب التاريخ أن المذهبية تؤدي عادة إلى الفئوية التي تدين بالولاء للجماعة أو الطائفة وليس بالولاء للوطن. والمذهبية لا تعني الكراهية ونبذ الآخر على أساس اختلاف المعتقدات فقط، وإنما أيضا تفعل الاتجاه نحو رفض الآخر، وتضخم مكانة القبيلة والجماعة التي تجد في أصولها ما يؤكد لها الأهمية والأولوية على غيرها من الطوائف في مجالات تسعى الى استحواذها في الحقوق، والاستفادة من الموارد والمنافع. وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى التحقير والتصادم، وأحيانا استخدام أدوات تعزز المساس بكرامة وحقوق الآخرين مثل التكفير والسخرية والتطاول، وربما حمل السلاح لإيذاء الطرف الآخر المختلف.

وإذا كان المجلس النيابي في اجتماعاته الماضية أكد أهمية قانون تجريم الطائفية والطرح العنصري باستخدام المذهبية وغيرها من أدوات، فإن الأهمية تكمن ليس فقط في تطبيق أحكام القانون، وإنما كذلك في الممارسة وبناء السلوك الإيجابي من خلال تفعيل مسؤوليات الأفراد والمؤسسات تجاه إرساء دعائم الإخاء في المجتمع. فليس هنالك خلاف على معتقدات الفرد وتمسكه بصواب هذه المعتقدات رغم الاختلاف معه، وإنما الخلاف هو في التعصب للمعتقد ونشره بالإجبار وازدراء الآخرين بسبب الاختلاف معهم أو الكراهية لهم.

yaqub44@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي