No Script

العقدة الصفراء وحسن نصرالله

تصغير
تكبير

تعد العقدة الصفراء أو «الكركم» من البهارات النافعة التي تستعمل في علاج العديد من الأمراض، مثل الاكتئاب وعصر الهضم وحتى الوقاية من السرطان. في حالة لبنان، العقدة الصفراء -أي «حزب الله» - هي على عكس النبتة، أحد أهم أسباب الاكتئاب السياسي، والعقدة الأساسية في عرقلة مهام الرئيس المكلف سعد الحريري في تشكيل الحكومة المقبلة والتي يرى فيها اللبنانيون كافة مخرجاً للانهيار الاقتصادي المحتم.
أتت إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله التلفزيونية، ليل السبت، لتحسم مقولة حزبه إنه يسهل تشكيل الحكومة وترفعَها عن المحاصصة التي منعت إعلان الحريري تشكيلته الوزارية. التقية السياسية للحزب زالت بعد تعنت نصرالله بإعطاء كتلة النواب السنة - الموالين لسورية - مقعداً وزارياً، متذرعاً بأسس الديموقراطية الصحيحة والحق، وجازماً في الوقت عينه بأن حزبه لن يتنازل عن هذا المطلب حتى «قيام الساعة».
المقلق في كلام نصرالله الهجومي على كل من الحريري والزعيم وليد جنبلاط - والذي يعيد إلى الذاكرة نبرة وحدّة خطابه إبان أحداث السابع من مايو 2008 حين قامت ميليشياته بالاعتداء على أهالي العاصمة ومحاولة احتلال جبل لبنان - المقلق هو استغراب العامة من كلامه، وهم الذين أجبروا أنفسهم على مرّ السنوات الماضية على تقديم بلدهم رهينة لمشروع إيراني ينفذه «حزب الله» في كل من سورية والعراق واليمن.


بكل بساطة «حزب الله» لم يغير خطابه أو تسلطه في السنوات السابقة، بل الطبقة السياسية ومؤيدوها هم من قرروا أنهم عاجزون عن الوقوف بوجههم واتجهوا نحو تقاسم مغانم السلطة والنظام الزبائني اللبناني. نصرالله لم يتكلم عن تشكيل الحكومة فحسب، بل ذكّر كل من جنبلاط والحريري بأن لبنان ودولته مرغمون على الوقوف إلى جانب الحزب بوجه العقوبات الأميركية القاسية ولو على حساب الاقتصاد اللبناني، وبأن أي رهان على قدرة تلك العقوبات على إضعاف إيران وفرعه اللبناني سيواجه بحزم ولو بقوة سلاح «المقاومة».
على عكس تعنت وتكبّر إيران ونصرالله على قدرتهما على اجتياز تحدي العقوبات المالية المشلّة، فإن الواقع يؤكد أن أذرع إيران ستدفع الثمن باهظاً بوجه إدارة ترامب المدعومة من كل من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والجادّة في محو آثار صفقة أوباما مع إيران التي مكنت الأخيرة من فرض سيطرة سياسية وعسكرية في المنطقة.
خطيئة جنبلاط الكبرى كانت اعتقاده بأن مخاطبة نصرالله عبر الإعلام - كما فعل في مقابلته الصحافية الأخيرة - تمكنه من تحذير هذا الأخير من مغبة تعطيل الحكومة ومن أن الاستمرار بالتضييق على رئيس الحكومة السني، ولو عبر صبية حزب الله من الموارنة والسنة، من شأنه تأجيج الاحتقان المذهبي. فعلياً، إن كان نصرالله غير قادر على تقبل «النصيحة الأخوية» من جنبلاط لربما يستمع إلى جمهوره من الشيعة الذين كسائر المواطنين اللبنانيين يعانون من الضائقة المالية نفسها.
إن مغامرة نصرالله وحزبه الإقليمية وانتصاراتهما الإلهية قد تعطيهما جرعة من المعنويات، لكنها لن تتمكن من تأمين الرغيف أو حتى الأموال المطلوبة لعائلات القتلى والمصابين من غزوات الحزب المحلية والإقليمية.
بعيدا عن فلسفة وتحليل كلام نصرالله وتبعاته، لبنان ليس فقط ضحية التقاتل الأميركي - الإيراني في المنطقة، بل هو أيضا ضحية وهْم بأن حكومةً أو دولةً تؤمّن الغطاء السياسي للحزب وحلفائه الطامعين في السلطة والمال، قادرة على النهوض بالبلد، وبأن نصرالله في آخر المطاف لن يتردد في اتخاذ القرار العقلاني وتقديم مصلحة بلاده المضيف على أجندة الحرس الثوري الإيراني.
نصرالله قالها صراحة، لا حكومة من دون صفقة واضحة مع الحريري على العقوبات المقبلة، وإن الوزير السني على طاولة الحكومة هو فقط تذكير بأن إيران وبشار الأسد وحليفهما في قصر بعبدا، هم العقدة الحقيقية لبناء دولة حتى مجيء الساعة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي