No Script

«حزب الله» بين مولود الطنطاش و... فاسيلي أركيبوف!!

تصغير
تكبير
هل تذكرون مولود الطنطاش؟ إنّه الشرطي التركي الذي أطلق رصاصاتٍ قاتلة على السفير الروسي في أنقرة أثناء افتتاحه لمعرض فنّي للصور الفوتوغرافية بعنوان «روسيا كما يراها الأتراك». كان ذلك في 19 ديسمبر 2016. يومها رأى الطنطاش روسيا بعيونٍ مختلفة. والمفارقة أنّ اللوحة التي أضحت الأكثر تعبيراً في المعرض، غدّت جُثة السفير الروسي الملقاة على الارض والمُلطّخة بالدّم الذي تناثر على الجدران. لعلّها كانت اللوحة الأكثر تعبيراً وسوريالية!

رأى الطنطاش روسيا القاتلة التي تقصف مدينة حلب بعنفٍ لم يسبق له مثيل مخلّفة مئات الضحايا يوميّاً، فانتقم من روسيا بقتل سفيرها المعتمد في أنقرة. إنّه الانتقام الناتج عن القهر الذي شعر به. الطنطاش لم يكن داعشياً. تصرّف بمفرده ومن تلقاء نفسه كرد فعل على الاستعلاء والتسلّط والقهر الروسي من خلال الغارات العنيفة التي شنّها الطيران الروسي على حلب والتي خلّفت مئات من الضحايا. هو المسلم السنّي (اعتذر عن استعمال تلك التعابير فأنا علماني النشء والنشأة، لكن مقتضيات كتابة المقال تُحتّم اللجو الى تلك التوصيفات) الذي شعر بضرورة الانتقام لأهل حلب السُنّة. ولعلّه شعور كلّ إنسانٍ مقهور، مناهض للديكتاتورية والتسلّط ومؤمن بالحرية والتحرّر والعدالة.

مناسبة التذكير بالطنطاش أنّ استمرار «حزب الله» بنزعة الهيمنة والتسلّط على القرار اللبناني ومن خلفه الراعي الإيراني الذي يواصل إثارة القلائل في المنطقة والدخول في الصراعات الإقليمية... سيؤدي حتماً الى رد فعل لا تُحمد عُقباه. وأبرز مثالٍ على ذلك استقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري وما نتجَ وينتُج عنها من تداعيات وشروخ نتمنى ألا تُبصر النور. الحريري صرّح أخيراً: «لن نقبل بمواقف حزب الله التي تمسّ بأشقائنا العرب أو تستهدف أمن دولهم واستقرارهم»، («الحياة» 25 نوفمبر 2017). قبل التداعيات الأخيرة على الساحة اللبنانية، انخرط «حزب الله» بآلياته العسكرية وعناصره لقهر السوريين. ادّعى الحزب بأنّه يحارب التكفيريين في سورية (يجب ألا تغيب الإشارة الى الاتفاقات الضمنيّة التي جرت بين نظام الأسد وداعش بين حينٍ وآخر...). أوّل من حاربهم «حزب الله» هم السوريون على الحدود اللبنانيّة (مدن القصير وغيرها). لم يكن بينهم تكفيريٌّ واحد. نتج عن ذلك لجوء مئات الآلاف من السوريين الى لبنان. ساهم أيضاً بتطهيرٍ مذهبي في سورية، وهذا ما اسمّاه حاكم دمشق بالمجتمع المتجانس.

إذا كان «حزب الله» يحسب حساب الموضوع المذهبي... فعليه أن يتذكر أنّه من بين المليون والنصف لاجئ سوري يوجد 200 ألف شاب سوري تتراوح أعمارهم بين 19 و 22 عاماً أتمّوا خدمتهم العسكرية. ولعلّه يُدرك أنّ تسليحهم، لا سمح الله، قد لا يتعدّى الايّام!! يُجاهر «حزب الله» بعداوته لإسرائيل. والسؤال هو كيف يوفّق بين عداوته لإسرائيل، وما صرّح به رامي مخلوف ابن خال الأسد بعد أشهرٍ من انطلاق الثورة السورية عام 2011 لـِ «نيويورك تايمز» بأنّ أمن إسرائيل هو من أمن سورية؟

وللتذكير فقط، فـَ «حزب الله» وُلد على أيدي سفير طهران في دمشق محتشمي بور عام 1982 وأشرف على تدريب عناصره رجل المخابرات الإيراني علي رضا أصغري، حين بدأ توافد المئات من المتطوعين من أفراد الحرس الثوري الإيراني الى سهل البقاع. كان أصغري أيضاً عضواً في «فيلق محمد رسول الله السابع والعشرين». وهو استمر لغاية 1992 يدعم «حزب الله» عسكرياً ويقود الأنشطة السياسية الإيرانية في لبنان. وبذلك أضحت الساحة اللبنانيّة مسرحاً لتبادل الرسائل بين طهران وواشنطن، وبدأت عمليات الاغتيال وخطف الغربيين للضغط على واشنطن وابتزازها.

وثمّة من يُضيف أهدافاً أخرى ومنها محاربة ياسر عرفات الذي كان مؤيداً لصدام حسين في حربه ضدّ إيران. وهكذا، فمنذُ 1982 بدأ الانخراط في الصراعات الإقليمية، من دون الاخذ بعين الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين. في عودة الى أصغري، الذي انشق عام 2007، يُقال انّه جلب معه وثائق للمخابرات الإيرانيّة تحتوي على معلومات عن «حزب الله» ولبنان وبرنامج إيران لتخصيب اليورانيوم. كانت الوكالة تعرف بالضّبط ما حصلت عليه. ذكر ضابط الموساد رام أغرا، «لقد عاش في لبنان وكان عملياً هو الذي بنى حزب الله وطوّره وموّله في تلك السنّوات. إذ كان باستطاعته أن يقدّم شيئاً للغرب، فإنّه كنز للمعلومات عن شبكة الإرهاب وحزب الله في لبنان». (راجع كتاب

The Good Spy: The Life & Death of Robert Ames، ترجمة محمد جياد الأرزقي، صفحة 362، الدار العربية للعلوم ناشرون 2015). تُرى، كم من علي أصغري سيظهر لاحقاً ويكشف ما وراء الأكمة ما وراءها؟

هل الكرة في ملعب طهران أو في ملعب «حزب الله»؟ في ملعب المركز أو الطرف؟! إنّها في ملعب الاثنين، حتماً. لكن على الطرف، انطلاقاً من حرصه على نفسه، كي لا تُصبح البيئة التي يعمل من ضمنها أكثر عداءً له، أن يقنع المركز أنّ الاستمرار في الهيمنة على القرار اللبناني... سيضّر ليس فقط بمصلحة الوطن ككل... بل بمصلحة الحزب نفسه. ولعلّ لا خلاف بأنّ استمرار فائض القوة لـِ «حزب الله» وتسلطِهِ على القرار اللبناني سيعني في جملة ما يعني خلخلة قواعده في ظل العقوبات الأميركية المرتقبة والتي تسعى الدولة لإبعاد أثرها على جميع اللبنانيين وعلى الشيعة خصوصاً. وسوف يعني أيضاً سحب الرعاية العربية للبنان وما يُشكله ذلك من تداعيات على مستوى المواجهة مع إسرائيل والتعاطف مع اللبنانيين.

في عودة الى ثنائية المركز/ والطرف، يخطر بالبال مركزيّة «الحزب الشيوعي السوفياتي» وعلاقته بالأطراف. أعني الأحزاب الشيوعية في دول أوروبا الشرقية. فإذا كنّا سابقاً أمام كومنترن شيوعي، فنحنُ اليوم أمام كومنترن شيعي، مركزه طهران يسعى بدأب للتدخّل بدول الجوار، بهدف إيجاد ما سُميّ بـ«الهلال الشيعي» يبداً في طهران وينتهي في لبنان. أبدت الأطراف الشيوعية سابقاً تململاً من المركز (بودابست، براغ ووارسو). صحيح انّها سُحقت، لكن يكفي أنّها أبدت تملمُلاً... هو التململ نفسه الذي نتمنى على الطرف المحلي أعني «حزب الله» أن يُبديه أمام المركز، لأنّ البيئة المحلية التي يعمل ويتحرّك من خلالها الحزب لم يعد بإمكانها ان تتحمّل المزيد من الهيمنة والتسلّط ومصادرة القرار.

ليس هناك من اعتراض على ما سُميّ بالتسوية التي أفضت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتكليف الرئيس سعد الحريري برئاسة الحكومة. لكنّها كانت تسوية بين رجلين على حساب إُسّ المبادئ والذي كان يجب ان يرتكز على عدم تدخل «حزب الله» خارجياً وقبوله بسياسة الحياد. اليوم أصبح واضحاً وجلياً، فحسناً فعل الحريري حين صرّح لشبكة «سي نيوز» التلفزيونية الفرنسية (27 نوفمبر 2017)، «لا اريد حزباً سياسياً في حكومتي يتدخل في دول عربية ضد دول عربية اخرى».

على سيرة التسوية، يحضرني ما ذكره عبدالفتاح مورو، نائب رئيس البرلمان التونسي ونائب رئيس حركة النهضة، وهو رجل يحظى بشعبية عالية لدى التونسيين، وقد صدم كثيرين بتساؤله، قائلاً «بلد يرأسه رئيس الباجي قائد السبسي يبلغ من العمر 93 عاماً بالتوافق مع راشد الغنوشي البالغ من العمر 76 عاماً، هل هو مستقر؟ ماذا سيحدث إذا اختفى أحدهما؟ يوجد اتفاق بين الطرفين، ولكنه شفوي وليس هناك اتفاق مكتوب». («العربي الجديد»، 30 أكتوبر 2017). ومع أنّ الرئيسين عون والحريري، أسبغ الله عليهما بالصحة والعافية، لم يبلغا من العمر ما بلغه السبسي والغنوشي، إلاّ انّ جوهر المقاربة يكمُن بأنّ التسوية الشفوية قد لا تُسمن أو تُغني من جوع.

أكدّ الحريري في لقائه مع وفدٍ من دار الفتوى، حرصه على أطيب العلاقات مع الدول العربية وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية («الحياة» 26 نوفمبر 2017) مؤكداً وصفهُ المملكة بمملكة الخير. ولا عجب! ذلك انّه يُسجّل للسعودية أنّها أسرَت... وتأسر قلوبنا وعقولنا ونفوسنا لتأييدها المتواصل لاستقلال لبنان وحريته، لدعمها اللامتناهي لما يُساعد لازدهار لبنان ووحدة أبنائه. لا تُرسل السعودية أسلحةً الى مجموعات لبنانية كما يفعل نظام الملالي في طهران، بل دعمت وتدعم الجيش اللبناني بمساعدات مالية بلغت 3 مليارات دولار. وسابقاً في التسعينات، أودعت في المضرف المركزي وديعة مالية بمليار دولار لضمان استقرار سعر صرف الليرة. السعودية كانت وستظل مصدراً لاستقرار لبنان.

ذلك، انّه ثمّة اعتقاد سائد عند كلّ مسلم وعربي بأنّ السعودية هي البوصلة حين تلوح في الأفق المصائب والمحن، ويخيم شبح الأزمات العصيّة على الحل. والاعتقاد مبني على حقيقة دامغة، انطلاقاً من أنّ المملكة هي الأرض التي نزل فيها الإسلام وعليها أينعت العروبة وأثمرت. ثمّ أنّ السعودية، المرتبطة بأصالة الماضي، لم تنفصل عن زخم الحاضر ومستجداته، وفي هذا سرُّها وأحد أقانيم كينونتها، منذ عهد المؤسّس الأول الملك عبدالعزيز وحتى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

أخيراً، تمّ تكريم أحد كبار ضباط غواصة سوفياتية، منَعَ، بحكمته اندلاع صراع نووي عالمي خلال الحرب الباردة بعد 55 عاماً من عمله البطولي. الجائزة تُدعى «جائزة مستقبل الحياة»، تُقدّمها منظمة مقرّها الولايات المتحدة. إنّه فاسيلي الكسندروفيتش أركيبوف، الذي كان على متن الغواصة الروسية 55-B بالقرب من كوبا عندما بدأت القوات الأميركية اسقاط القنابل في محاولة لدفع الغواصة للصعود الى أعلى. الفضل يعود لأركيبوف لأنّه منعَ ضباطاً آخرين باستعمال طوربيد نووي يزن 10 كيلو طن. ولو فعلوا، لكان مصير العالم يختلف. فالهجوم كان ليبدأ حرباً نووياً من شأنها أن تُسبب دماراً عالمياً.

مدير أرشيف الأمن القومي في جامعة جورج واشنطن، توماس بلانتون، قال: «الدرس المُستفاد هو انّ فاسيلي أركيبوف أنقذ العالم»، (العربي الجديد 29 أكتوبر 2017). تُرى، هل من أركيبوف «حزب الله» يُنقذنا ويُنقذ لبنان ويُغلّب العقل والحكمة ويزن الأمور انطلاقاً من مصلحة وطنه وبلده ويُطلق نداءً مُشابهاً للنداء الذي اطلقه سفير لبنان السابق غسان تويني عام 1978 في مجلس الأمن: «دعوا شعبي يعيش»؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي