No Script

قصة قصيرة

رسالة إلى ليلى

No Image
تصغير
تكبير

لا تقلقي من غيابي، فما زلت هنا يا ليلى، كل ما في الأمر أني أحاول أن أحيا.
لا تبحثي عني مهما هاج الحنين بقلبك، ففي بلادنا - حيث تختفي الشمس - لم يعد لنا وجوه، و قد كان ذنبنا أننا حاولنا رسم ملامح لوجودنا، وهو أمر دونه خرط القتاد، ويسام فاعله سوء العذاب.
ولا أدري من أين تأتي كل هذه القسوة يا ليلى؟ وكيف تفتقر القلوب إلى الرحمة في تلك اللحظات؟
وهل كان من الأجدر أن نقنع من الدنيا بأن نخرج منها لا لنا ولا علينا؟ وأن نرضى بلقمة صغيرة ونزهة كئيبة وبعض أبيات من الشعر نتسلى بها سلوة العاجز، فنكون كجادع أنفه بيده؟
لم أعد متأكداً من شيء يا ليلى، كذلك لم أعد أثق بأحد، يتاجر بنا الدهاقين كسلعة موروثة، وقد حازوا ما بأيدينا وما تركوا لنا ما يقيم أودنا وأود عيالنا، ثم قلّبونا بين أكفهم كتقلب القدر على النار.
كل ما أعرفه أننا ارتقينا مرتقى صعباً، وصلينا بمكروه هذا الأمر أشد العذاب، وقد سملت أبصارنا، وبعثرت عظامنا، ونبشت أرواحنا، وكثيراً ما استشعرنا الخوف، وامتحنا السهر، وقطعت الأجساد، ولجمت الأفواه، وبريت الألسن حزاً بالشفار، فما تنسمنا روح الحياة قط.
كل ما أعرفه يا ليلى أننا لم نقايض على حياتنا، فإما هي وإما عيش الأنعام، ولا نرضى بغيرها ملء الأرض ذهباً، وما تجشمنا هذا العناء حتى صبرنا على بلوانا صبر البعير .
ومن طلب الغاية البعيدة لا يعدم الوسيلة.
فقد تثمر غراسنا يوماً، وقد يحوز أطفالنا المغنم، و يفوزوا بضالتنا.
أما أنت يا ليلى فلا تجزعي من غيابي ولا يضجرنك سقم قلبي ودنفه، فقلب السجين قد ينبض أكثر من سجانه، وهو مهما حمل من الهم فلا يحمله الا فينة ولا يحزن الا هنيهة.
إنما يأسى على الموت الأحياء، ونحن لم نحي بعد.

tfm_a@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي