No Script

قراءة في موقف زعيمها «أبو محمد الجولاني»

هل خرجتْ «النصرة» من «القاعدة» أم دخلت «القاعدة» إلى «النصرة»؟

تصغير
تكبير
أعلن زعيم «جبهة النصرة» و«أميرها» أبو محمد الجولاني قيام جبهة جديدة باسم جديد تحت مسمى «جبهة فتح الشام» كما كانت نشرت «الراي» في عددها بتاريخ 26 يوليو الحالي.

لكن هل انسلخ الجولاني مع مجاهديه عن «تنظيم قاعدة الجهاد في خراسان» أم اندمجت «القاعدة» وقيادتها الموجودة في سورية داخل المسمى الجديد؟

قبل أن يخرج الجولاني بنفسه وبصورته، بثّت «المنارة البيضاء» التابعة لـ «القاعدة» كلمة صوتية لأحمد حسن ابو الخير النائب الأول لزعيم «قاعدة الجهاد» أيمن الظواهري يؤكد فيها على «قوة لا يستهان بها وحسن إدارة للمناطق المحررة، من محاكم شرعية تحكم بشرع الله وهيئات خدمية تقوم على شؤون الناس ورعايتهم، ويوازي ذلك جيل جديد تربى على فقه العزة والجهاد سبيلاً (...) وان المرحلة التي وصلتْ الأمة اليها من انتشار الجهاد ودخوله للمجتمع المسلم وانتقاله من مفهوم جهاد نخبة الى جهاد أمة، لا ينبغي ان يقاد بعقلية الجماعة او التنظيم، بل يجب ان تكون التنظيمات والجماعات دائرة جمع وحشد».

ويضيف في التسجيل الصوتي نفسه رسالة من أيمن الظواهري يشير فيها الى «الروابط التنظيمية الزائلة المتحوّلة (...) فوحدتكم واتحادكم ووحدة صفكم تعلو فوق الانتماء التنظيمي والعصبية الحزبية (...)».

إذاً فإن «جبهة النصرة» والجولاني لم يتراجعا قيد أنملة عن «خطهم الجهادي» وعقيدتهم وأهدافهم - ألا وهي أهداف الأمة الاسلامية بالمفهوم لدى المجاهدين - بل ارتقوا الى خطوة أعلى وأرفع مكانة من انتماء حزبي لتنظيم يملك من المعنوية والدعم العلمي الكثير ليعطيه ليقوم بمقام الأب ولكنه لا يملك العسكر والجيش والمال والسلاح لان «قاعدة خراسان» تنظر من بعيد الى أبنائها في اليمن والصومال وسورية وغيرها من البلدان التي تملك العناصر والعقيدة.

ان خطوة «النصرة» ليست بجديدة على «تنظيم قاعدة الجهاد»، فقد سبقها إليها ما كان يعرف بـ «تنظيم قاعدة الجزيرة العربية في اليمن» التي أصبحت تسمى بـ «أنصار الشريعة» و«أبناء حضرموت» و«أبناء أبين». فلماذا إذاً الضجيج حول تغيير اسم «جبهة النصرة» الى اي مسمى آخر؟

لقد صدَق ابو محمد الجولاني عندما قال إن التنظيم الجديد «جبهة فتح الشام» لا تتبع اي تنظيم خارجي. ولدى الجولاني كل المقومات ليستقبل المجاهدين - كل المجاهدين - من أقطاب العالم لانه أصبح يملك – كما قال أحمد حسن ابو الخير - الادارة الاسلامية والمحاكم الشرعية ويرفع راية «لا إله إلا الله»، ويدعو الى الجهاد في سبيل الله. إذاً فإن خروج «النصرة» من عباءة «القاعدة» ليس خروجاً عن المنهج، بل خطوة كان دعي اليها من قبل رئيس المجلس الشرعي في «القاعدة» الشيخ عطية الله الليبي الذي قال حينها «إعلان المجاهدين انهم قاعدة وان لهم علاقة بالقاعدة حتى على فرض وجودها لا ينبغي الآن، لان ليس فيه مصلحة فيما يظهر، بل هو مكسب للاميركيين ويتمنون ذلك ويريدونه لانهم يعرفون انه يخدمهم سياسياً. واسم القاعدة الآن مشوه في الرأي العام العالمي، فالاحسن الابتعاد عن الارتباط به، ولعل الله يحدث بعد ذلك امراً».

لم يخرج الجولاني بإعلانه فك الارتباط مع «اي تنظيم خارجي» لإرضاء اميركا وروسيا، بل خرج بالبيان المقتضب والى جانبه ابو الفرج المصري - (اسمه الحقيقي أحمد سلامة مبروك) الذي واكب الظواهري لسنوات طويلة وتنقّل من مصر الى روسيا حتى وصل الى الشام وأصبح عضواً في مجلس شورى «جبهة النصرة» - غير آبه بما تفكر به اميركا وروسيا بل ليقول لمسلحي «القاعدة» ان المنهج لم ولن يتغير وان العقيدة بخير وحراسها لم يذهبوا الى اي مكان، بل ان هذه الخطوة داخلية محض - اي للداخل السوري - وتهدف فقط الى الاستجابة لطلبات التنظيمات السورية المختلفة التي اشترطت امكانية وحدة الفصائل فقط اذا اعلنت «النصرة» فك ارتباطها مع «القاعدة» الأم.

إذاً، بنظرة الى ما قاله الظواهري ونائبه ابو الخير والجولاني، فإن كل هؤلاء أجمعوا على ان الهدف هو اتحاد الفصائل والابتعاد عن الرابط التنظيمي الضيق وتطوّر «جبهة النصرة» الى فضاء جهادي أوسع يهدف الى فتح الشام (ليس دمشق بل بلاد الشام) وترسيخ عقيدة الجهاد والاندماج مع بقية التنظيمات السورية وغيرها من المهاجرين لتصبح جبهة واحدة قوية تستعدّ لما بعد رحيل الرئيس باراك اوباما.

لكن هناك فارقاً بين العمل للتوحيد وإنجاز التوحيد. فالفصائل لديها مشارب مختلفة ومن الطبيعي ان يندمج البعض دون الاخر. الا ان الجولاني ألقى الحجة عليهم جميعاً ليكون له موقف صدامي آخر بعد هذه الخطوة ضد كل مَن يقف في طريقه.

وظهر الجولاني في مظهرٍ حسن مبتسماً باسطاً يده ليس لاميركا بل للساحة الشامية. فهل تتجاوب معه؟ ان تحقيق الوحدة بين فصائل مختلفة هو مهمة شاقة ليس فقط على الجولاني بل على الظواهري، وحتى اسامة بن لادن لم يستطع تحقيق ذلك مع التنظيم الذي كان ينتمي اليه الجولاني نفسه (اي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق) سنة 2006 وحتى يوم إعلان الطلاق ومن ثم الخصومة فالعداء.

مما لا شك فيه أن مقاتلي «القاعدة» اندمجوا في بلاد الشام في «جبهة النصرة»، واليوم في المسمى الجديد. فكل خطوة خطاها الجولاني كانت دقيقة ومحسوبة وتدلّ على تواجد فريقٍ كاملٍ لديه من الخبرة في «الساحة الجهادية» ما هو كاف لتحقيق الأضرار الداخلية والجانبية والسير بحزم وبراغماتية في الوقت نفسه. ومما لا شك فيه أن «قاعدة الجهاد» هي التي دخلت إلى «النصرة - فتح الشام» وليس العكس.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي