No Script

أصبوحة

الغضب الأصفر

تصغير
تكبير

وصلت عدوى مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا، إلى بعض الدول الأوروبية الأخرى مثل بلجيكا، وكذلك إلى بعض الدول العربية، ولكن بشكل أقل زخماً وحدة مما يحدث في فرنسا، التي رغم خطاب الرئيس ماكرون الأخير، إلا أن غالبية المحتجين لم يقتنعوا بتنازلاته لتهدئة الأمور.
وفي الواقع أن حركة السترات الصفر، حركة شعبية تلقائية، لم تنظمها الأحزاب السياسية، التي أيدت بدورها مطالب الحركة، وهي أشبه بالانتفاضات العربية في العام 2011، التي خرجت للشوارع من أجل مطالبها المعيشية، وضد إجراءات التقشف والخصخصة، ورفع سعر السلع والخدمات الأساسية، ثم تحولت هذه المطالب إلى سياسية، تطالب بإسقاط النظام.
وهي حركة غضب متوقعة، في ظل وصفات صندوق النقد الدولي، التي تدعو الحكومات إلى الانتقاص من معيشة الشعوب، وبيع القطاع العام للقطاع الخاص والشركات، وفرض الضرائب المرهقة وغير العادلة، مما ينتج عنه إفقار الغالبية العظمى من الشعب، ويزيد من غنى الأغنياء والشركات الضخمة. وبذور هذا الاحتجاج في فرنسا لم يبدأ مع حكم ماكرون، الذي اتهم بالانحياز للأغنياء، وتحميل العامة من ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين، تبعات فوائد الديون التي يفرضها صندوق النقد الدولي، بل كان التذمر الشعبي في فرنسا، في عهدي ساركوزي وهولاند أيضاً، لكن يبدو أن الشعب الفرنسي وصل عنق الزجاجة، وضاقت معيشته.


صحيح أن الأحزاب لم تنظم وتقود هذه المظاهرات، لكن من غير المستبعد أن مجموعات أناركية فوضوية من الذين لا يتورعون عن استخدام العنف والشغب الفوضوي، أن تدخل ضمن هذه الاحتجاجات، كما أن اليمين المتطرف يستغل هذا التذمر الشعبي، ليلقي باللائمة على المهاجرين، على اعتبار أنهم استولوا على وظائف الفرنسيين.
وإجراءات التقشف وفرض الضرائب، هي التي سبق وإن أججت الاحتجاجات الضخمة في اليونان قبل بضع سنوات، وهي وليدة السياسة النيوليبرالية والعولمة الاقتصادية، التي كان يعتقد النظام الرأسمالي العالمي، انها السياسة التي تضمن بقائه ومضاعفة أرباح شركاته.
والمشكلة أن إجراءات صندوق النقد الدولي، لا تتوقف عند الدول الفقيرة، التي تحتاج إلى قروض لإنعاش اقتصادها، بل تمد أذرعها إلى الدول التي لا تحتاج إلى قروض، بصورة تعكس جشعاً غير مسبوق في التاريخ، فالرأسمالية تسعى إلى الكسب المطلق، ومضاعفة الأرباح دون أن يشبع ذلك نهمها، لكن الشعوب لن ترضخ وتساق مثل قطيع الأغنام، وستغضب وتحتج، وقد يمس ذلك نظم الحكم ذاتها.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي