No Script

الأبعاد النفسية التي تحكم انطلاقتهم في دعوتهم وإشكالية الخطاب الديني

الدعاة... بين الاعتدال والمغالاة

تصغير
تكبير

بعض الدعاة يطرقون القضايا الدينية وشؤون الناس بشكل عصري محبب في إطار من الاعتدال والترغيب

البعض الآخر يميل إلى خطب ومواعظ ودروس قوامها الترهيب والتنفير والتخويف والتكفير

كم من معلم للتربية الإسلامية في مدارس العالم الإسلامي أرعبوا الأطفال وزرعوا في قلوبهم الذعر؟!

ابن باز: يجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عز وجل لا يريد رياء ولا سمعة ولا ثناء الناس

المغامسي: الضالون فكرياً والمتطرفون يجعلون دخول الجنة مشروطا بالتخلص من النفس


ربما نلاحظ الفرق الكبير في المجال الدعوي والخطب الدينية التي تبدو في ثوب جديد، عند بعض الدعاة ومشايخ العلم الذي أصبحوا يطرقون باب القضايا الدينية وشؤون الناس بشكل عصري محبب، في إطار من الاعتدال والسماحة والترغيب، مستندين إلى الكتاب والسنة.
ولكن يظل البعض الآخر منهم منصرفا إلى دائرة المغالاة والتشدد والتعنيف والترهيب، وقد تبدو تلك الأمور في ملامح وجوههم ونبرات أصواتهم، والتي تبعث الخوف والنفور في نفوس المتلقين. قال الله عز وجل وقوله الحق: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن». وقال تبارك وتعالى: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك».
 وهنا نتساءل ما الفرق بين الفئة الأولى والفئة الثانية من الدعاة وشيوخ العلم؟ والجواب بلاشك هو تلك الزوايا النفسية التي ينطلق منها دعاة كل من الفئتين، فليست الدعوة متمحورة في إطار الثقافة العلمية والتبحر في الدين وعلوم القرآن والسنة فقط، بل أيضا في الأبعاد الفكرية المعتدلة والأبعاد النفسية السويّة للدعاة، التي ينطلقون منها في دعوتهم للناس، ونُصحهم لهم، فالبعض يميل إلى خطب ومواعظ ودروس قوامها الترهيب والتنفير والتخويف والتكفير، ويعتقد بأن هذا هو الأسلوب السليم لتقويم العقول، وتطهير القلوب من المعاصي، وحثها على الدين، وهذه النقطة التي يمكن الوقوف عندها طويلا، فديننا هو دين الوسطية والاعتدال، ودين التسامح والرحمة والسلام، ولا يأتي أبدا مع الأسلوب الخطابي الغليظ المخيف، فكم من معلم للتربية الإسلامية في مدارس العالم الإسلامي ممن أرعبوا الأطفال، وزرعوا في قلوبهم الذعر، ونفّروهم من الدين، وجعلوا الله عز وجل في مخيلتهم هو المنتقم فقط، وهو شديد العقاب الذي سيقذفهم في نار جهنم حين يكبرون، ولكنهم تجاهلوا الزوايا المضيئة وطمسوها في دروسهم.
 ولكن ماذا عن الله تبارك وتعالى الغفور الرحيم الودود الذي يحب عباده، ويخاف عليهم، ويغفر ذنوبهم مهما عظمت وتفاقمت؟ وماذا عنه جل وعلا الذي يحقق أحلامهم وأمنياتهم، ويحميهم من كل مكروه؟ وماذا عن جنته العظيمة بكل أوصافها التي تفوق تصورات العقل، ويعجز الخيال عن بلوغ تصور جمالها؟ وأين تلك القيم الجميلة المحببة، وتلك الصفات العظيمة لخالقنا تبارك وتعالى، والتي تهيم قلوبنا فيها حبا له، وشوقا للنظر إلى وجهه الكريم؟ من الجميل هنا أن نقرأ رأي الشيخ عبدالعزيز ابن باز يرحمه الله الذي قال: «أمّا أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن يكونوا عليها، فقد أوضحها الله جل وعلا في آيات كثيرة، في أماكن متعددة من كتابه الكريم أولها الإخلاص، فيجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عز وجل، لا يريد رياء ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنما يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل، وأن يكون حليماً في دعوته، رفيقاً فيها، متحملاً صبورًا، كما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام، متجنبا العجلة، والعنف والشدة، وعليه بالصبر، والحلم، والرفق في دعوته».
 وفي مسألة فكر بعض الدعاة نستشهد برأي الشيخ الدكتور صالح المغامسي في محاضرته عن «الوسطية في الإسلام» ضمن فعاليات برنامج «سفراء الوسطية»، الذي نظمته جامعة طيبة بالتعاون مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، حيث تناول المغامسي التعريف بالوسطية، موضحا أن لفظ الوسط في القرآن لا يعني البقاء في المنتصف فلا يلزم أن يكون هناك أحد في أقصى اليمين، وأحد في أقصى اليسار، بل إنها عندما تطلق شرعاً، تعني أن الدين الإسلام اختاره الله لعباده، أنزله، وجاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا يمكن لأحد تغيير شيء منه، وأشار المغامسي إلى أن الضالين فكريا والمتطرفين يجعلون دخول الجنة مشروطا بالتخلص من النفس وإذا قبل الفتى أن يتخلص من نفسه يلجأ والعياذ بالله إلى تفجير نفسه ليسلك بعدها في مقام التكفير، وتابع بقوله انك قد تجد شابا في سن المراهقة والده يجاهده ويأمره بالصلاة ثم يذهب به إلى التحفيظ وإلى الجامعة، ويرى أباه يذكر الله وأمه تقول لا إله إلا الله، ثم يأتي أولئك ليحرضوه على قتل والده، فيرى ذلك أنه من أعظم الأمور اليسيرة الذي يراها قربى في ظنه الخطأ، ومنها قتل أبيه أو أمه أو أحد أقربائه، وأكد المغامسي على مبدأ التسامح مع الذات وأن يعلم الشاب علم اليقين أن الحسنات يذهبن السيئات، وألا يعتقد أن هناك أناسا لا تعصي الله، وأن يلتمس للناس أعذارهم، فسماحة الإسلام أجل وأعظم وأكثر تسامحاً لكنه يحتاج لتدبر القرآن الكريم والسنة النبوية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي