No Script

«الراي» حاورت خبراء في العلاقات الروسية - التركية

سكاكين سورية بين... «القيصر» و«السلطان»

تصغير
تكبير
الشمري: الحل الوحيد أمام تركيا هو تجرُّع بعض السمّ وعدم محاولة نقْل المعركة إلى داخل أراضيها

سيدروف: العلاقة التركية - الروسية سيئة ولا أعتقد أن المواجهة المباشرة بين البلديْن محتملة

غول: نتّجه الى التصعيد السياسي مع روسيا ولا أظنّ أنه سيصل إلى مواجهة عسكرية

سوبونينا: نأمل ألا يتم التدخل التركي ونخشى تدهور العلاقات بين أنقرة وموسكو ما يزيد فرصة حصول صِدام عسكري
خريطة جديدة للعلاقات الدولية فرضتها الحرب السورية بعدما خُلطت الاوراق في بعض العلاقات التي شهدت «افتراقات»، فيما زاد بعضها الآخر رسوخاً. وقد حاولت روسيا وتركيا منذ بداية الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس المحافظة على صورة الشراكة الاستراتيجية بينهما ولا سيما ان الروابط الاقتصادية التي تجمعهما كبيرة، لكن التطورات المتلاحقة في الأشهر الأخيرة باتت تهدد بـ «تمزيق» هذه الصورة ورميها في سلّة الماضي.

وشهدت الأيام الماضية تصعيداً في اللهجة بين موسكو الداعمة لنظام الرئيس بشار الأسد، والتي تكثف غاراتها الجوية على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، وبين أنقرة الداعمة للمعارضة والرافضة لأي توسع كردي على مقربة من حدودها. وبلغ الأمر حدّ اعلان تركيا تأييدها لتدخل عسكري بري في سورية بمشاركة حلفائها ولا سيما السعودية، تزامناً مع استمرارها بقصف مواقع الاكراد في شمال سورية.

وفي وقت أرسل الجيش التركي 15 ألف عسكري إلى الحدود مع سورية، من أجل تعزيز الأمن وضبط الحدود، قال الرئيس رجب طيب أردوغان إن «تركيا لا تنوي وقف قصف وحدات حماية الشعب الكردية، رداً على النيران عبر الحدود»، مضيفاً «على الولايات المتحدة اختيار إذا كانت مع تركيا أو مع وحدات حماية الشعب. ومن الصعب فهم لماذا لا تصف أميركا وحدات حماية الشعب الكردية السورية بالمنظمة الإرهابية».

من جانبه، قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود اوغلو: «منذ سبتمبر الماضي تقصف الطائرات الروسية الهمجية والغاشمة والجبانة سورية من دون اي تمييز بين المدنيين والاطفال والعسكريين»، وذلك غداة اتهامه موسكو بانها تتصرف كمنظمة ارهابية. متوعداً «بردّ حاسم اذا استمرّ القصف».

وبعد رفض نظام الأسد الاستماع الى نصائح تركيا للحوار وتحقيق المطالب الشعبية، ها هي أنقرة تعمل اليوم على تذكير التحالف الدولي للقضاء على «داعش» بأن لا معنى للحرب على «الدولة الاسلامية» من دون الحرب على حليف روسيا الرئيس بشار الأسد ولا سيما بعد المجازر الوحشية التي ارتكبها بحق السوريين.

هذا التوتر في العلاقات التركية - الروسية ليس جديداً، فقد خاض البلدان حروباً دامية على مر التاريخ في البلقان والقوقاز، لتتغير الصورة مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002 وتصبح العلاقات بين الدولتين جيدة. ومع اندلاع الأزمة السورية، حاولتْ موسكو وأنقرة فصل الخلافات السياسية عن العلاقات الاقتصادية الى أن كان المنعطف مع إسقاط تركيا، الطائرة الحربية الروسية في 24 نوفمبر الماضي.

«طعنة في الظهر»، هكذا اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حادثة إسقاط القاذفة، مهدداً أن الثمن الذي ستدفعه تركيا سيكون «كبيراً»، في حين تداركت أنقرة الأمر وأعلنت على لسان رئيس وزرائها أنها لم تكن تعلم أن الطائرة روسية وأنها تعاملت معها على أنها طائرة مخترِقة لأجوائها وسيادتها.

«الراي» استطلعت آراء متخصصين في العلاقات التركية والروسية وتحدثت معهم عن الأزمة الحالية وأفقها:

الدكتور عبدالله الشمري المتخصص في الشؤون التركية، قال: «أولاً يجب معرفة أنَّ العلاقات الروسية - السورية أقدم بـ 70 سنة من العلاقات الروسية - التركية التي لم تبدأ فعلياً إلا في العام 2003، بالتالي وجود روسيا في سورية هو وجود استراتيجي، وحتى الولايات المتحدة تعلم هذا الأمر منذ أيام الاتحاد السوفياتي».

وأضاف: «الأمر الثاني أن كل ما حدث في سورية هو نتيجة أخطاء وقعت فيها تركيا، وعليها وعلى دول الخليج عدم لوم روسيا على تدخّلها في سورية كونها أفسحت لهم المجال من العام 2011 إلى العام 2015 لحلّ هذه القضية، ولم تدخل إلا في 30 سبتمبر 2015، بعدما استنفدت هذه الدول خياراتها».

وإذ لفت إلى أنَّ «وضع تركيا صعب جداً»، قال: «اليوم يمكن وصف العلاقات التركية - الروسية بعلاقة العداوة، إذ انه على المستوى الشعبي والرسمي روسيا هي العدو الأول للشعب والحكومة التركية».

وفي هذا الاطار، أوضح أنَّ «الخطأ كان بانشغال تركيا في الأزمة المصرية صيف العام 2013 وتوتُّر علاقاتها مع السعودية الأمر الذي انعكس على الملف السوري»، مشيراً إلى أنَّ «تركيا الآن في حالة الدفاع عساها تسلم جرّتها، والدليل على ذلك الانفجاران اللذان وقعا بفارق ساعات في أنقرة وجنوب شرقي البلاد».

ورأى أنَّ «هناك انهياراً في قيمة تركيا وتأثيرها في المنطقة التي أصبحت تساوي قيمة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، والدليل انه في جنيف تم الاصرار على حضور هذا الحزب المحادثات، وتخيير الرئيس التركي في تصريح له في أميركا بين بلده وهذا الحزب».

وقال: «التحول الاستراتيجي حصل في 24 نوفمبر 2015 عندما أُسقطت الطائرة الروسية، الأمر الذي كان بمثابة إهانة لموسكو بعدما كانت تحاول تفادي تركيا، كما ان تركيا خسرت اقتصادياً بسبب توتر علاقاتها مع روسيا وأجبرت منذ تلك اللحظة على أن تنسى سورية، وبالتالي الحل السلمي هو المتاح أمامها فقط، وقد يتفاجأ البعض اذا قلت إن تركيا ليست متحمسة أو مقتنعة بأي تدخل عسكري في سورية».

وأضاف: «في فبراير 2015 نقلت تركيا ضريح سلمان شاه من مكانه الذي كان فيه منذ العام 1921 إلى الحدود التركية - السورية ما يعني أنها غير قادرة على حماية قبر مؤسسها الموجود على مسافة 30 كيلومتراً في سورية».

واعتبر أنَّ «الحل الوحيد أمام تركيا هو تجرُّع بعض السم وعدم محاولة نقل المعركة إلى داخل أراضيها»، لافتاً الى ان «هناك نقطتين مهمتين هما أن حزب الاتحاد الديموقراطي اخذ صفة دولية بعدما افتُتح مكتب له في موسكو، وهذا الحزب أثبت أنه مُقاتِل عندما انتصر على «داعش» في كوباني، وقد دخل في العملية العسكرية والسياسية وها هو (رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي) صالح مسلم يُستقبل في الغرب مثلما كان يُستقبل في أنقرة قبل نحو ستة أشهر».

وتابع الشمري حديثه لـ «الراي»، ان «على تركيا أن تعيد النظر في سياستها، ولا سيما ان روسيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حدودها مع سورية، أي في الواقع الجيو استراتيجي حدود سورية - تركيا هي حدود روسيا - تركيا بطول 911 كيلومتراً، وعليها أن تتعامل مع هذا المنطق. ومن وجهة نظر خليجية براغماتية، قد يكون حسم روسية للأزمة أفضل من تدخل تركيا في شمال سورية وأفضل من سيطرة ايران عليها، لان روسيا مهما كان الأمر ستعود يوماً ما إلى سيبيريا، والدليل على ذلك أن أول وزير خارجية تركي في حزب العدالة والتنمية السفير التركي السابق في سورية والقاهرة والرياض يسار ياكش قال، صدقوني لو تدخلت القوات التركية في سورية، اول مَن سيعترض عليها العرب، كما اعترضوا على تدخل القوات التركية في بعشيقة العراق حيث صدر قرار عن جامعة الدول العربية بالاجماع ضدها».

من جانبه، اعتبر المحلّل السياسي الروسي يفغيني سيدروف، أنه يمكن وصف العلاقة التركية - الروسية بـ «علاقة سوء»، لافتاً إلى أنَّ «كلمة تركيا تثير الحساسية في روسيا كما أن العكس هو صحيح، ولا أعتقد أن المواجهة المباشرة بين البلدين محتملة، ذلك ان التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المسؤولون الأتراك فحواها انهم لا يريدون شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق على اراضي سورية، وأنهم لن يتحركوا بمفردهم سواء بالنسبة للعملية البرية أو في ما يخص انشاء منطقة عازلة على الحدود مع سورية وفي عمق هذا البلد على مسافة 10 كيلومترات».

وقال: «من جهة أخرى، فإن تحقيق المخططات التركية يضع أنقرة في خلاف مع حليفتها واشنطن، ويبدو أن الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة لا تميل إلى الوقوف بجانب تركيا في خطتها لأسباب عدة، أولها أن أي دولة غربية لا تريد أن تتحوّل الأمور إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، ناهيك عن محاذرة اتخاذ أي خطوات قد تؤدي إلى ما ينذر باندلاع حرب اقليمية وربما عالمية جديدة، وقد حذّر (رئيس الوزراء الروسي ديمتري) مدفيديف من هذا التطور في كلمته التي ألقاها أخيراً في اجتماع ميونيخ للأمن».

وأضاف: «من هذا المنطلق يمكن القول إن الحل السياسي للأزمة السورية لا بديل منه في الوقت الحاضر رغم الخلافات الشديدة بين أطراف الأزمة، سواء بين النظام السوري والمعارضة، او بين اللاعبين الدوليين الرئيسيين أي روسيا وأميركا، وحتى في ما يتعلق باللاعبين الاقليميين سواء تركيا والسعودية وقطر وغيرها».

واستطرد سيدروف: «يجب ألا ننسى أن الدول العربية منقسمة إزاء موقفها من التدخل العسكري الروسي. ففي حين نرى ان بعض الدول العربية انضمت الى الحملة التي تستهدف روسيا وتهميش دورها، وهي حملة موجهة الى موسكو لاستهدافها المدنيين، نجد في الوقت نفسه ان بعض الدول العربية الأخرى تدرك سياسة روسيا في سورية وموقفها إزاء كيفية التعامل مع الأزمة هناك واحتوائها. ولذلك لا يمكن الحديث عن خط واحد موجّه ضد روسيا في العالم العربي والشرق الأوسط وحتى في العالم».

ولفت إلى أنَّ «العديد من الدول الأوروبية تشير الى ضرورة رفع العقوبات عن روسيا الأمر الذي كان مرتبطاً بالأحداث في اوكرانيا»، موضحاً «ان تطبيع العلاقات مطروح الآن على أجندة علاقات موسكو مع واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، وكل هذه الأمور تجعل ضرورياً التركيز على المباحثات السياسية بين طرفيْ النزاع في سورية».

ومن الناحية الاقتصادية، قال سيدروف لـ «الراي»:»طالت بعض الاجراءات التي اتخذتها موسكو ضد تركيا رداً على إسقاط طائرتها من طراز سوخوي 24 في نوفمبر من العام الماضي مجالات واسعة للتعاون التركي - الروسي، واليوم الكثير من الشركات التركية لا يُسمح لها بالعمل في روسيا وهناك العديد من المشاريع بين البلدين التي كانت ناجحة قبل التصعيد الأخير إما أغلقت أو أُلغي إنجازها على المدى القريب والمتوسط».

بدوره، قال الباحث التركي محمد زاهد غول: «في الاطار العام نتجه الى التصعيد السياسي مع روسيا، وبعد حادثة إسقاط الطائرة في 24 نوفمبر الماضي كان هناك تصعيد في اللهجة الروسية، وتركيا كانت تتعامل بديبلوماسية ولم تردّ على الاتهامات إلا في الإطار السياسي العام».

وأضاف: «لكن ما نشهده في شكل متسارع خلال الأيام الماضية ان هناك تصعيداً سياسياً ليس فقط على مستوى الخطاب بل يمكن أن نشاهده من زيارة أحمد داوود اوغلو لأوكرانيا قبل أيام، اضافة الى العديد من التصريحات التي يمكن القول إنها لم تعد ضمن إطار الخطاب السياسي او فقط للردّ أو الاستهلاك. وفي الحقيقة، ما تقوم به روسيا في سورية له بطبيعة الحال انعكاسات على تركيا التي حاولت من خلال موضوع اللاجئين تحديداً تشكيل ضغط على أوروبا للقيام بضغط على روسيا لوقف القصف».

ورأى زاهد غول عبر «الراي» أنَّ اجتماعات ميونيخ وما حصل فيها من تطوّرات، كلّها جهود ديبلوماسية بُذلت في شكل واضح في اطار التصعيد مع روسيا بمعنى أننا تجاوزنا الخلاف بين روسيا وتركيا في شكل مباشر لتدخل في الخلاف أطراف دولية أخرى»، معتبراً انه «تصعيد سياسي في النهاية ولا اظن أنه سيصل إلى مواجهة عسكرية».

من جانبها، علّقت الباحثة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية الدكتورة إيلينا سوبونينا على الموضوع بالقول: «الآن نأمل ألا يتم التدخل التركي في سورية وأن تستمع أنقرة إلى النصيحة الروسية. وما نخشاه أن تتدهور العلاقات بين البلدين ما يزيد من فرصة حصول صِدام عسكري ليس بالضرورة بين قوات روسية وتركية بل ربما ايرانية أو غيرها». وأشارت إلى أنّ «العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا تأثرت وتمّ خفض التبادل التجاري بين البلدين وهناك عقوبات متبادلة»، مضيفة: «نعم، بعض المشاريع لا تزال قائمة لكن من الممكن أن تتأثر إذا نفّذت تركيا خطّتها، كون روسيا ستعتبر هذه الخطة عدائية».وعن تصورها للعلاقة التركية - الروسية في حال سقط الاسد أجابت سوبونينا لـ «الراي»: «لا تنظر روسيا الى هذه الإمكانية، ولا سيما بعدما غيّرت موازين القوى على الأرض. وموقع الحكومة السورية بات أفضل مما كان وأفضل من موقع المعارضة، وتالياً هذا السؤال يُطرح على اميركا وتركيا وغيرها من الدول».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي