No Script

وليد الرجيب / أصبوحة

واقع محزن

تصغير
تكبير
نعيش هذه السنوات حقبة سوداء في تاريخ البشرية، سنخرج منها –إن خرجنا - مليئين بالندوب النفسية، جراء ما يحدث من أمور مرعبة ومحزنة ومؤلمة، إن الاقتتال أصبح سمة وخبراً يومياً في الفضائيات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، بل أصبح يرافقه سبي واغتصاب ونهب لخيرات الشعوب، وخلق نشء مغسول الدماغ من خلال المناهج الدراسية، والتربية الأسرية وفي دور العبادة والفضائيات المتشددة إسلامياً.

أفهم أن تتشكل الجماعات الإرهابية لتحقيق مصالح دول باسم الإسلام، لكن الأمر تجاوز جز الرؤوس وتدمير البنى التحتية وتدمير المساجد والأضرحة، والانقلاب على دول في محاولة للتوسع، إلى تدمير التراث الإنساني الذي يعكس التاريخ البشري والحضارة البشرية عبر آلاف السنوات.


لقد أحزنني كثيراً تدمير جماعات داعش لمدينة النمرود الآشورية، التي صمدت بوجه كل المتغيرات المناخية والحروب والكوارث منذ عشرات السنين قبل الميلاد، لتأتي جماعة متخلفة بلا ضمير أو علم أو وعي وتقوم بتفجيرها، وتحطيم محتوياتها بالمطارق بشكل همجي، كما فجرت جماعة طالبان تماثيل بوذا العملاقة، على اعتبار أنها أصنام وكأن البشرية لم تتجاوز مرحلة الوثنية ولم يتطور الوعي البشري، وأيضاً يحرض أحد المتخلفين على هدم أبو الهول والأهرامات.

والمثير للاستغراب والاستهجان، أن من صنع هذه المجموعات الهمجية هي الدول التي تعتبر نفسها الأكثر تقدماً وتحضراً، وهذا يزيدنا قناعة أن رأس المال لا يهمه الفن ولا الأدب ولا التراث أو الآثار، إن جل ما يهمه هو الربح وتعاظمه، حتى وإن فنت البشرية بأسرها.

ما الذي يتبقى لنا كبشر؟ عالم مدمر ومهدم ومئات الآلاف من القتلى معظمهم مدنيون وأطفال، وتراث إنساني محطم ومفقود، وكل ذلك باسم الإسلام ومن أجل كرسي الحكم ومن أجل المال.

إنه واقع محزن ومؤلم، ألا يكفي أن الدول العربية لا تهتم بالثقافة، وتعدها ترفاً شكلياً؟ ألا يكفي أن نفر من المتشددين الإسلاميين، يستطيعون تهديد الوزراء ويأمرونهم بإلغاء حفل فني ومنع كتب من التداول، أليس من المعيب لحكومة تدعي اهتمامها بالثقافة أن تمنع دخول فنان عالمي لبناني مناضل، وله معجبوه في كل دول العالم مثل مارسيل خليفة؟ حدث ذلك ويحدث حتى بتنا نشعر أننا في صحراء قاحلة لا خضار ولا زهور فيها، وإننا أصبحنا نعيش في عالم خال من الإنسانية.

إضافة إلى الخسائر

خسرت البشرية اثنين من مبدعيها الكتاب اليساريين التقدميين، هما الأديب الألماني غونتر غراس الحاصل على جائزة نوبل للآداب، الذي تضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وأغضب إسرائيل كثيراً، والثاني هو الكاتب الأوروغوايي إدواردو غاليانو، الذي قضى سنوات عديدة في المنفى بسبب مواقفه السياسية، وكان من أشد المناهضين لسياسة العولمة الرأسمالية، وله عدد من الكتب والمؤلفات الشهيرة منها «الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية» وعنوانه الفرعي «خمسة قرون من نهب قارة»، وهكذا يصبح الفقد عادة.

وليد الرجيب

osbohatw@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي