No Script

كيف نجا العالم من... كارثة الانقلاب

تصغير
تكبير
«لو سقط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدخلتْ تركيا في نفق مظلم لتتجه البلاد الى فوضى عارمة وحرب داخلية بين الإسلاميين والإنقلابيين، ولكان لتنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) و(القاعدة) وجود قوي وحضور عسكري يعطي دفعاً قوياً لهؤلاء - في ظل غياب حكومة قوية - في دولةٍ تتواجد فيها قاعدة شعبية وموارد متوافرة وإمكانات هائلة للإنتشار، ليصبح لـ (داعش) و(القاعدة) نافذة على أوروبا وتَواجُد في بلد كبير فيه قواعد لحلف شمال الأطلسي -، ولكان العالم شاهد، لو دخلت تركيا مرحلة الدولة الفاشلة، وضعاً أكثر مأسوية من سورية والعراق وليبيا نظراً الى موقع تركيا الجغرافي وتعدُّد العرقيات ووفرة المقوّمات».

هذا ما قاله لـ «الراي» مصدر استخباراتي غربي معني بملف سورية وبلاد الشام.

بعد إعلان «داعش» قيام «الخلافة» في منتصف 2014، كان أفراد هذا التنظيم ومسؤولوه غير آبهين بتدابير أمنية حيث كان يتم تبادل المعلومات عن الأحداث الجارية على الأرض والالتحاق بصفوف «الخلافة» عبر تركيا من دون ضوابط إلى أن انشأ داعش ما يعرف بـ «الحسبة» (الشرطة) على تويتر لمراقبة هذا التبادل غير المضبوط والذي استمر لأكثر من سنة. وخلال هذا الوقت كانت التعليمات العامة التي وجهها «داعش» لجميع الراغبين بالإلتحاق في صفوفه عموماً تقضي بضرورة إتباع خطوات محددة لتلافي المراقبة الغربية والقدوم الى تركيا.

الا أن جزءاً من هذه التعليمات كان يقضي بأن يبقى جزء كبير من المهاجرين القادمين الى الرقة في سورية داخل تركيا من دون العبور الى سورية والعمل في الداخل التركي في وظائف متعددة مختلفة والزواج والاختلاط في المجتمعات للإبقاء على بيئة حاضنة لهؤلاء عند الحاجة. وبالفعل إستطاع «داعش» إيجاد عدد كبير من المناصرين الداعمين في الداخل، كما نفذ هذا التنظيم عمليات انتحارية متعددة آخرها ضد مطار أتاتورك الدولي حيث فجّر ثلاث انتحاريين من أصول روسية أنفسهم فقتلوا أكثر من 42 شخصاً الشهر الماضي، على الرغم من عدم تبني داعش لهذه العملية الإرهابية.

ويقول المصدر الإستخباراتي الغربي لـ «الراي» إنه «مما لا شك فيه أن السلطات التركية تعي وجود (داعش) داخل البلاد وهي تعمل لجمع المعلومات وتحديد هوية المشتبه فيهم وتجمع مختلف الإمكانات الاستخباراتية لاستباق أي عمل إرهابي. إلا أن هذا لا يعني أن داعش لا يملك زمام المفاجأة وينتظر الفرص المناسبة للتوسع داخل تركيا والبلاد المجاورة لسورية والعراق لكسب مناصرين ومؤيدين يضمنون استمراره».

وعند حصول الإنقلاب الفاشل في تركيا ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، أعطى «داعش» التعليمات لمؤيديه وللخلايا الموجودة في البلاد بأن يبقوا في منازلهم ولا يتدخلوا الى أن تنجلي الأمور و»يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود»، كما قال أحد المنتمين لـ «داعش» على «تويتر».

وتتبع التنظيمات «الجهادية» مساراً إستطاعت ركوبه ببراعة يسمى بـ «إدارة التوحش» وهو يُعدّ أحد أهم المراجع والأفكار التي يعتمدها «داعش» و»القاعدة»، منها «المنطقية العقلانية» وأخرى تُعتبر «جنونية» وتعنى بكيفية التعامل مع العامة باستراتيجية التجميعية المأخوذة من حروب العصابات. ويعتمد على شوكة النكاية والإنهاك ومرحلة التمكين وقيام «الدولة الإسلامية» لصاحبها أبو بكر ناجي، وهو إسم مستعار ويعتقد أنه سيف العدل المصري المسؤول الأمني لتنظيم «القاعدة». الا أن هذه «الإدارة» تعتمد على «التوحش»، أي الفوضى والعمل في بلد مثل سورية والعراق وليبيا للتدخل في حال إنعدام السلطة أو ضعفها لدرجة أن البدائل «الجهادية» تستطيع ايجاد مكان وساحة لها بديلة لتتعاظم قوّتها وتجذب متطوّعين لها تشكل بيئة حاضنة، وتعتمد على الدعوة والمساجد لبث روح الجهاد وتوجيه رواد المساجد من خلال تفسير أحاديث نبوية وربطها بواقع معيّن يقنع المستمع والمبتدئ والراغب بالإنضمام الى مشروع جهادي.

وهذه الفلسفة - أي «فلسفة التوحش» - تعتمد أيضاً على التربية والسياسة والإدارة وتبرر الأعمال الوحشية وتروّج للأفكار المتطرفة وتعلّم كيفية المساهمة بتخريب البلاد والسيطرة على مقدراتها للتمهيد الى التمكين والقبض على زمام الأمور. وهذا ما كان مقدَّراَ له أن يحصل في ظل الفوضى في تركيا لو قُدّر أن ينجح الإنقلاب ويرتد الشارع المؤيد للرئيس أردوغان والداعم لـ «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي العقائدي الذي يدعم «بهة النصرة»في سورية – «القاعدة في بلاد الشام»، والتي ضجّت حساباتها على «تويتر» تأييداً للرئيس أردوغان وطعناً «بالإنقلاب الذي ينتمي الى الأطلسي» ويندّد بـ «الجيش المتمرد» ويهنئ أردوغان «بانتصاره على خصومه من الأحزاب العلمانية واليسارية كحزب الشعب ونرجو له الخير دوماً».

وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على دعم أردوغان للقاعدة والإسلاميين الذين يردون له جميل دعمه لهم في حربهم في بلاد الشام ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد وأن إنتصار الرئيس التركي على الإنقلاب هو «نصر لهم»، من دون أن تكون خسارته خسارة لهم لأن ذلك كان سيعطيهم فرصة التمدد والانتشار في تركيا تماماً كما حصل في سورية عام 2011 عند بداية الثورة السورية حيث أرسل «داعش» قادته لأخذ المبادرة وسرقة الثورة وركوب موجة التوحش والفوضى.

ولو تمدّد الإسلاميون التابعون لـ «داعش» و»القاعدة» على أبواب أوروبا، لكان خطر الإرهاب لامس مرحلة اللا عودة وخصوصاً لما لتركيا من مقدرات وعدد سكان ومهارة لـ «داعش» و»القاعدة» الإستقطابية ولكان دقّ ناقوس الخطر الحقيقي أكثر مما هو عليه اليوم على أبواب القارة الأوروبية العجوز، من دون أن يستثني ذلك الشرق الأوسط.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي