No Script

الأكراد خسِروا فرصة تقرير مصيرهم... ودمشق تستطيع إنقاذهم

تصغير
تكبير
  • 11 ألفاً من «الحشد» قضوا  خلال المعارك مع «داعش»  في العراق

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سورية «قريباً جداً» وتسليم مدينة منبج إلى تركيا كان وقعه بمثابة الصدمة على الأكراد السوريين الذين يتجمعون في الجزء الشمالي من البلاد. ويشكّل هؤلاء ما يشبه درعاً لقوات الاحتلال الأميركية التي تستخدمهم لحماية عناصرها في شمال شرقي البلاد.
من الواضح أن ترامب مستعدّ للتخلي عن الأكراد عندما يريد، بل إنه يضع مناطقهم في «مزاد علني» حيث يطلب من دول في المنطقة المجيء الى المناطق الكردية للتمركز فيها. وهذا ما يطرح سؤال: ما هي خيارات أكراد سورية؟
تقول مصادر مطلعة إن الرئيس الأميركي لا يولي أي اعتبار لمصير أكراد سورية. ويستطيع التخلي عنهم مع العلم أن ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. لقد خسِر الأكراد ثقة دمشق بسبب خياراتهم السياسية والعسكرية إلى جانب أميركا، وهم أيضاً مُطارَدون من تركيا التي تعتبرهم إرهابيين.


وتضيف ان «الأسطورة» التي حيكت حول الأكراد بأنهم «أفضل المقاتلين ضد داعش» وأنهم «أفضل حلفاء أميركا» غير دقيقة. وسبب ذلك يعود إلى التسعينات عندما استخدمت أميركا كردستان العراق لتأمين موقع قدم في العراق خلال حقبة صدام حسين. واستعملت أميركا الأكراد جسراً لإقامة قاعدة عسكرية - استخباراتية لها ولحلفائها الاسرائيليين. ومع الحرب المفروضة على سورية، وصلت القوات الأميركية إلى الحسكة على أمل تقسيم بلاد الشام. بالاضافة الى ذلك فإن أكراد العراق وسورية يجاهرون بعلاقتهم مع إسرائيل رغم العداء لها من الدول حيث يعيشون.
في سورية، قاتَل الأكراد ضد «داعش» في الشمال وفقدوا المئات من المسلّحين، بينما قاتَل الجيش السوري «داعش» على كامل الخريطة السورية وخسِر عشرات الآلاف من الضباط والجنود، وكذلك في العراق فقد قُتل نحو 2000 من الأكراد في قتال «داعش» بينما قاتلت القوات الأمنية العراقية على كامل الجغرافيا العراقية وخسرت الآلاف من الضباط والجنود (قتل نحو 11000 من الحشد الشعبي وحده).
واستغلت أميركا حلم الأكراد بإنشاء دولتهم في كل من سورية والعراق لأنها بحاجة إلى قوة محلية لتحمي جنودها وتحارب النفوذ الإيراني في سورية والعراق. وفشلت خطة الأكراد بإنشاء دولة لهم في العراق بسبب تصميم حكومة بغداد على إبقاء العراق موحداً. وفي سورية لا يملك الأكراد أي أمل بإقامة دولة لهم لأن كلاً من تركيا وإيران والعراق وسورية لديهم أسبابهم الخاصة لمنْع نشوء دولة كردية ووجود قوات احتلال أميركية في شمال بلاد الشام.
وتشير المصادر إلى أنه من غير المتوقع أن تغادر القوات الأميركية سورية من دون ثمن مقابل انسحابها أو أن تدفع ثمناً باهظاً إذا هوجمت قواتها. وقد عاد ترامب عن قرار سحب قواته من سورية من دون أن يعطي زمناً محدداً لاستمراره في شمال البلاد. ومن ثم طلب من دول أخرى الحلول مكان قواته غير مبالٍ برأي الأكراد. فهو يهدف لعدم إنفاق مال في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد ولا يريد إعادة إعمار مدينة الرقة التي دمّرتها القوات الأميركية لاخراج «داعش» منها إلى مكان آخر.
ومهما كان قرار ترامب بإبقاء قواته أو سحْبها، فقد خسِر الأكراد فرصة تقرير مصيرهم، وفقاً للمصادر، بسبب قراراتهم الخاطئة المتكرّرة بالاختباء تحت عباءة الولايات المتحدة التي لا أصدقاء لها بل مصالح فقط. ففي مقاطعة عفرين شمال غربي سورية، رفضت الإدارة الكردية تسليم المنطقة إلى دمشق لأن الأكراد قرروا قتال تركيا. وبعد شهرين، فَقَد الأكراد السيطرة على المقاطعة ونزح الآلاف من اللاجئين الذين فروا الى الحسكة ودير الزور. واعتقدت إدارة عفرين خطأً أن العالم سيسارع الى إنقاذ سكانها ومنْع تركيا من السيطرة على المنطقة الكردية. وكان الرئيس بشار الأسد الوحيد الذي أرسل 900 مقاتل من قوات الدفاع الوطني لمساعدة أكراد عفرين. إلا أن هذه الخطوة فشلت في إقناع الأكراد بالسماح للجيش السوري بالدخول قبل فوات الأوان. وتعتبر أميركا وجود الجنود الأتراك أفضل بكثير من وجود القوات السورية وحلفائها في عفرين.
ويبدو أن الأكراد في سورية لم يدركوا أنهم لم يعودوا «الابن الضال» للغرب. فقد اختاروا تجاهل خطأ الأكراد العراقيين عندما طالب هؤلاء باستقلالهم وفشلوا في تحقيق ذلك. وعلى الأرجح فإن أميركا سعيدة برؤية المزيد من الأكراد يتدفقون من عفرين الى الحسكة ليملأوها بمزيد من وكلائها المستعدّين للحرب من أجل مصلحة واشنطن.
وتذكّر المصادر بأن أكراد سورية خسروا المئات من المقاتلين أثناء محاربة «داعش» لاستعادة منبج ومناطق أخرى في محافظتي الحسكة ودير الزور، إلا أن خسارتهم استغلتْها واشنطن لتبقى في سورية تحت عنوان «الحرب على الارهاب». ولم تتدخل الولايات المتحدة في عفرين أبداً ولكنها طلبت من «قوات حماية الشعب» مغادرة منبج لمصلحة تركيا، حليفتها في شمال الأطلسي (ناتو).
وأصدرت قبائل البوبنة والبقارة والطائي العربية الموجودة في المنطقة بياناً ترحيبياً بالقوات التركية لأنها «ستضع نهاية لحزب الاتحاد الديموقراطي واحتلال حزب العمال الكردستاني للمدينة».
وتشير المصادر إلى أن أن الأكراد وافقوا على أن يتم التلاعب بهم من الإدراة الأميركية، على أن يجمعوا الفتات التي تخلفها أميركا لربما يتحقق بذلك حلمهم بالاستقلال أو بإدارة ذاتية. وكما يبدو فإن هذا الحلم بعيد من أن يصبح حقيقة، على الأقل في العقود المقبلة. وفوجئ أكراد سورية بترامب معلناً انسحابه السريع من المنطقة ليدركوا انه يستطيع التخلي عنهم في أي لحظة. ومن الصعب على الأكراد أن يسمعوا أن الإدارة الأميركية ستدير ظهرها لهم وتتصرّف وفق مصلحتها الوطنية من دون أي اعتبارٍ لما يمكن أن يحدث بعد انسحابهم على الرغم من التضحيات التي قدّموها للمساهمة في تحقيق الأهداف الأميركية في سورية.
وعندما وافق ترامب على إبقاء القوات الأميركية لفترة أطول، أعطى هذا القرار حركة موقتة من الأمل الكاذب. وظنّ الأكراد أن مصيرهم قد تأجل، ولكن الى متى؟ الى حين أن تنسحب اميركا من بلاد الشام تحت ضربات «المقاومة السورية» التي بدأت تجمع قواتها في المنطقة الشمالية المحتلة.
ووفقاً للمصادر، فإن «المقاومة» المعلنة حديثاً تنتمي إلى القبائل المحلية، وبشكل رئيسي قبائل البكارة والعساسنة وغيرهم من المجموعات المحلية المستعدة لقتال القوات الأميركية ما يعيد ذكرى بداية التمرد ضد الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003.
وما لا يدركه الأكراد أن الرئيس الأميركي لن يفعل أي شيء لحمايتهم إذا قرر الانسحاب ولن ينقلهم إلى أميركا عندما يحين الوقت لمغادرة سورية. فحين تنتهي الحرب لا يريد أحد أن يحتفظ بوكلاء ليصبح هؤلاء عبئاً ثقيلاً.
وكذلك لا تنوي أميركا - حسب المصادر - التخلص من «داعش» لأن التنظيم يعطي سبباً للوجود الأميركي ويوفر ذريعة لواشنطن للاحتفاظ بقواتها في الشرق السوري. كما أنه يساعد أهداف أميركا عندما يهاجم هذا التنظيم الطريق الوحيد بين سورية والعراق، طريق البوكمال - القائم. وأخيراً يعطي بقاء التنظيم مؤشرات الى أن سورية لا تزال غير مستقرة.
ولن تجازف أميركا بفقدان تركيا لأنها تدرك أن روسيا وإيران تنتظران الوقت المناسب لاستقبال أنقرة بأذرع مفتوحة. وللحفاظ على تركيا، عرضت واشنطن عليها إرضاءها في منبج وقدّمت المدينة على طبق من فضة. وتدرك أميركا أن تركيا لن تقبل يوماً بدولة كردية على حدودها. ولذلك فإن الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت قبل أن يدرك الأكراد أن «بيعهم» سيتم عاجلاً ام آجلاً، على حد قول المصادر المطلعة.
واعتبرت دمشق الأكراد خونة في مرحلة ما، وسيستمر النظر إليهم كذلك إلى أن يتخلوا عن العمل كدرع لأميركا. وقد فتح الرئيس الأسد باب التفاوض المباشر وقال لهم انه مستعد لاستقبالهم، فردّ الأكراد بأنهم أيضاً مستعدون لذلك. فالثمن الذي تطلبه دمشق من الأكراد ليس معقداً: التوقف عن دعم قوات الاحتلال (الاميركية والفرنسية والبريطانية) في شمال سورية.
عندما سمح الأكراد لتركيا باحتلال عفرين بدل السماح للجيش السوري بدخولها واللجوء إلى الدولة التي استضافتهم عندما أتوا الى شمال سورية، عندها تخلى الأكراد عن أرضٍ لا يملكونها بل هي ملك الدولة السورية. وما تطلبه دمشق من الأكراد انه حان الوقت كي يستيقظ هؤلاء على الواقع الحقيقي.
إذاً ماذا سيحلّ بالأكراد؟ مَن بقي الى جانبهم؟
تقول المصادر إنه لطالما كان ترامب على أهبة الاستعداد للتخلي عن الأكراد، إلا أنه أجّل قراره لمصلحة اسرائيل لأن لا مصلحة مباشرة لأميركا بالبقاء في سورية. وما يطمح إليه ترامب هو المال إذ حوّل الجيش الأميركي إلى مرتزقة وبندقية للبيع. ويبدو أن القوات الأميركية أصبحت مثل وزة تضع بيضاً ذهبياً وبالتالي لا علاقة للأمر بالأكراد أو «المحبة الأميركية» تجاههم.
فالمعادلة بسيطة جداً: إذا بقيت اميركا واحتلّت شمال شرقي سورية فهي تحتاج للاستثمار وإعادة بناء البنية التحتية وهذا يعني إنفاق المال، بما لا يتناسب مع أهداف ترامب الرئاسية، وهذا ما لا يَفهمه الأكراد ليومنا هذا.
وفي الختام، ليس لدى الأكراد أي مكانة خاصة في أميركا ولن يكون لهم مستقَر بوجود تركيا على حدود مناطقهم. ولم يعد الأكراد الوحيدين الذين يتمتعون بعلاقات مع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولهذا فلدى هؤلاء طريق واحد فقط، وفقاً للمصادر، وهو التواصل مع الحكومة المركزية في دمشق من أجل تفعيل العلاقات، والتوقف عن حماية قوات الاحتلال، وإدراك أنهم أصبحوا فقط وقوداً لصالح العلاقات الاميركية - التركية.
ويحتاج الأكراد لتوضيح موقفهم بأنهم لم يعودوا راغبين في أن يكونوا دروعاً بشرية للأهداف الاميركية لتقسيم سورية. والطريق الوحيد المتبقي لهم هو العودة تحت كنف الدولة التي استضافتْهم عندما وصلوا الى بلاد الشام قبل 80 سنة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي