No Script

محمد العوضي / خواطر قلم

هذه أحوال أيتام البحرين يا عالم!

تصغير
تكبير
يقدر عدد الأيتام في العالم بحوالي 170 مليون يتيم هم حصاد عقود من الحروب والمجاعات والفقر والأوبئة والكوارث الطبيعية، ساقتهم أقدارهم والظروف البائسة في معظم بلدان الفقر والتخلف، ليكونوا صيدا سهلا لعصابات الجريمة الدولية المنظمة و(مافيات) الاختطاف والاتجار بالبشر ناهيك عن الجماعات التنصيرية وكل سماسرة العبودية الحديثة.

اما في عالمنا العربي وكما جرت العادة، تغيب الاحصائيات الرسمية الدقيقة لعدد الأيتام فيه، فهم وعلاوة على قلة حيلتهم ويتمهم فإن الدراسات التي تخصهم ضعيفة يتيمة مثلهم، الأمر الذي يعكس حالة عربية عامة من الإهمال والتقصير في التعامل مع مكون اجتماعي رئيسي ومهم يعد بالملايين، كما ان دور الرعاية الاجتماعية في أغلب البلدان العربية، باستثناء دول الخليج العربي لم تعد تكفي لاستيعاب وإيواء ورعاية هؤلاء الأيتام، ويزداد عجزها وتتقلص قدراتها بالتزايد المتسارع لأعدادهم مع ما مرت به منطقتنا ولاتزال من صراعات وكوارث، بدءا بالاحتلال الاسرائيلي لفلسطين منذ العام 1948 وما تبعه من مسلسلات المجازر والقتل والقمع والحصار ولغاية الحروب الاخيرة على قطاع غزة المقاوم، مرورا بالاحتراب الداخلي في لبنان والاجتياحات الاسرائيلية المتكررة لاراضيه، ومآسي المجاعات والصراعات في السودان والصومال وغيرهما وصولا للعراق الغارق منذ عقود في دوامة حروبه مع جيرانه والعالم وأخيراً العنف الطائفي، وقد رشحته خمس منظمات دولية لتصدر نسبة الأرامل والأيتام في العالم، بعد ان اكدت التقديرات تجاوز عدد الأيتام في بلاد الرافدين السبعة ملايين طفل، القسم الأعظم منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومثلهم يفترشون الشوارع بلا مأوى يتخاطفهم ارباب الرذيلة والجريمة.


وأخيراً وبعد ثورات الربيع العربي ازداد عدد اليتامى، كنتيجة حتمية لعمليات التصفية والاغتيالات التي مارستها آلات القمع والقتل الجماعي للحراك الشعبي المطالب بالحريات والتغيير، وما تلا ذلك من ثورات مضادة وصراعات على السلطة وفوضى السلاح وغياب الأمن ودولة القانون.

وفي سورية جرح الأمة النازف يكون للحديث عن أيتامها ألم وشجن ما بعده شجن، حيث تتضاعف أعدادهم مع كل تحليقة لطائرات النظام ومع كل غارة تنهال فيها القذائف وبراميل الموت على المدن والقرى فوق رؤوس الشعب المظلوم، ليستفيق اطفاله من تحت ركام جدران بيوتهم المدمرة على واقع مأسوي اسود عنوانه الصارخ... مصرع أحد الوالدين أو كليهما.

ولما تقدم من حقائق عصيبة صادمة، وامتثالا لهدي أشهر وأعظم يتيم عرفته البشرية وقال عنه رب العزة في قرآنه (ألم يجدك يتيما فآوى) وأعني به سيد الخلق عليه وعلى آله وصحبه افضل الصلاة وأتم التسليم، وإيماناً بعدالة وإنسانية هذه القضية التي لا تحتمل التسييس أو التقسيم أو الطائفية، ما كان لي ان أفوت دعوة كريمة تلقيتها من لدن المؤسسة الخيرية الملكية في مملكة البحرين للمشاركة بيوم اليتيم العربي، هذه المناسبة التي يحتفل بها العالم العربي في الجمعة الاولى من شهر ابريل من كل عام، ومن على منصة تلك التظاهرة الخيرية توجهت بثلاث رسائل.

رسالتي الأولى وجهتها الى اصحاب بلد الرعاية والدعوة ملكا وحكومة وشعبا معطاء كريماً، مملكة البحرين البلد الحبيب القريب العزيز الى قلبي بأرضه وناسه والذي لطالما ابهرنا أهله بعطائهم الإنساني الراقي وقد ظلوا على الدوام الانموذج المحتذى في دماثة الخلق ونبل الخصال وطيب المعدن والسريرة، وسألته تعالى ان يحفظهم ويحفظ بلدهم ويديم عليه نعمه ويحميه من كل شر وكيد.

أما رسالتي الثانية فقد رفعتها شكرا وتقديرا وعرفانا الى كل القائمين والعاملين في المؤسسة الخيرية الملكية، وعلى رأسهم بالطبع رئيس مجلس أمنائها سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، هذا الشيخ الشاب النشط الذي يقود اليوم هذه المؤسسة الرائدة الواعدة، وقد باتت اليوم واحدة من اهم المؤسسات العربية والإسلامية الداعمة لاعمال الخير، تلقي بظلال أغصانها وأوراقها وثمار عطاءاتها رطبا جنية، وتتجاوز بمشاريعها الممتدة على امتداد خارطة العالم كل اعتبارات المنطق ولغة الكم والمساحة والارقام، ولتعلنها مدوية بأن الاجتهاد المخلص الصادق لا يمكن ان يتوقف ابدا عند حدود الجغرافية مهما صغرت ولتطبع مملكة البحرين بحكمة قادتها ورجالاتها وهمة وسواعد شيابها وفتيانها بصمة عطاءاتها الإنسانية الإغاثية الحانية الكبيرة الواسعة، اتساع قلوب اهل البحرين.

لم تكن رعاية اليتيم في المؤسسة الخيرية الملكية عملا طوعيا متواضعا رتيبا تغلب عليه العواطف، ولينتهي بإحساس عابر بإراحة الضمير وتوزيع بعض الضروريات ابراء للذمة، وانما كان انجازا لمهمة تليق بحاجات اليتيم البحريني وبالرعاية الملكية الكريمة له، وعليه فقد رسمت المخطط ووفرت الوسائل وتحقق الأمل، بل وصار اداء المؤسسة نموذجا عالميا يحتذى به ويستحق المحاكاة، منذ اللحظة الاولى لاستقبال اليتيم والى احتفالية يوم تخرجه من اعلى درجات السلم التعليمي، اضافة لخطة الادماج الاجتماعي والارشاد التربوي والدورات التدريبية والتسلية وكلها وفق منهج زمني وأهداف مرحلية ونهائية وقياس وتقويم وفريق متخصص وآليات متابعة وعمل جبار كانت من نتائجه تفوق الأيتام في كل مناحي حياتهم.

ولقد كان لي في الماضي شرف المشاركة في حملات سابقة نظمتها ذات المؤسسة لإغاثة المنكوبين والمتضررين، أذكر منها حملة اقيمت في شهر يوليو من العام الماضي 2014، وخصصت لإغاثة غزة وشعبها المقاوم الصامد جراء ما تعرضت له من حصار ودمار بفعل آلة العدوان الاسرائيلي عليها، ولمست حينها عن قرب تلك الاحترافية والمهنية التي تعمل وفقها خطط وطواقم هذه المؤسسة، يعضدها في نجاح مهمتها ذاك القدر من رقة قلوب رجال ونساء وحتى اطفال البحرينيين وسخائهم وتنافسهم في الخيرات، جزاهم الله عن أعمالهم واخلاصهم خير الجزاء.

وختمت كلمتي برسالة ثالثة وجهتها إلى صاحب المناسبة الذي التقينا من أجله ذلك اليوم (اليتيم العربي)، وقد أخرتها للنهاية عن قصد، لانها رسالة معمدة بمشاعر الألم والحزن والخجل، الالم على واقع أمة عربية أثقلت كاهلها الحروب والنزاعات والكوارث والأوبئة، وزاد عليه تعصب وتطرف مقيت يقتل باسم الدين، لم يراع حرمة لروح حرم الله إزهاقها، ولا لتوسلات ضعيف ولا جريح ولا محاصر يحتضر جوعا ومرضا.

ومع كل يوم تدفع فيه امتنا اثمانا باهظة من دماء أبنائها ومقدراتها، تدفع الينا بارقام مرعبة من الأيتام يتفوق احساسهم بالرعب من الموت أو الاستغلال أو التشرد على إحساسهم بالتيتم والحرمان جراء فقد أحد الابوين أو كليهما.

فأنّا لمثل هذا الطفل الصغير البريء المشرد وقد شهد بعينيه في بلاد النكبات، قتل وسحل ذويه وتدمير بيته ومدرسته وحرق كتبه وألعابه، فأنّا له ولأمثاله أن ينعم بمثل ما ينعم به أبناؤنا بل وحتى أيتامنا في دول الخليج من نعمة الأمان والاهتمام والرعاية الرسمية واللمسة المجتمعية الحانية.

واقع كارثي يعيشه اليتيم العربي أحسست معه بالحزن، وأدركت وأنا أطلع على التجربة البحرينية الناجحة في مجال كفالة ورعاية الأيتام، الحاجة الملحة إلى بذل سائر الدول اقصى الطاقات الممكنة لرفع المعاناة عن أطفال يعاقبون جماعيا بلا ذنب اقترفوه، وان يتجاوز احتفاؤهم باليتيم العربي احتفالية اليوم الواحد لتتحول كل ايامنا واسابيعنا وشهورنا إلى (يوم لليتيم العربي)، وإلى أن يقضي الله امره برفع الغمة وإحلال السلام.

ومن هنا برزت أهمية الجهود الجماعية ودور المؤسسات والمنظمات التي تعمل وفق خطط وبرامج جادة للوصول إلى أهدافها، ومن هذه المنظمات بل ويأتي في مقدمتها المؤسسة الخيرية الملكية، أسأله تعالى أن يبارك في غرسها ونمائها وثمارها، وأن يوفق القائمين عليها وأن يسدد جهودهم إلى المزيد من الإنجازات والنجاحات على صعيد الخير والعطاء.

محمد العوضي

mh_awadi@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي