No Script

«داعش» يغيّر أسلوبه الإعلامي والتكتيكي ويعمل عبر خلايا نائمة - ناشطة

تصغير
تكبير
يغيّر تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) ويعدّل أسلوبه التكتيكي في تبنّي العمليات الإرهابية خارج حدود الشرق الاوسط (اوروبا خصوصاً وليس حصراً)، ليستعدّ بأسلوب جديد لعمل سرّي - مثل الإعلان شبه الخجول - بعد انكساره في العراق وسورية، متناغماً مع البيان الاخير للناطق الرسمي باسمه ابو محمد العدناني، الذي اعترف بأن «داعش» يخسر الاراضي في العراق وبأن هذا التنظيم بدأ من لا شيء العام 2003 لينهض من جديد وليكمل مسيرته في العمل السرّي.

وجاء في هذا السياق الهجوم الأخير في «نيس» الفرنسية، الذي ذهب ضحيته اكثر من 84 قتيلاً و200 جريح. المنفذ محمد سلمان الحويج بوهلال، (31 عاماً) من اصول تونسية لم يكن على قائمة المشتبه بهم من السلطات الفرنسية والاوروبية وليس لديه اي سجلّ إجرامي. الا انه استطاع الحصول على مسدس استخدمه بإطلاق النار على القوى الأمنية أثناء قيادته المميتة لشاحنة زنتها 19 طناً، وهو أسلوب متجدد لا ينبع إلا من أفكار «داعش» الذي تفنن بالقتل حرقاً (الطيار معاذ الكساسبة) وغرقاً (العراق - هيت) وبالقاذفة المضادة للدروع (سورية - إعدام 4 جنود سوريين) وبالدوس بالدبابة على جندي اسير (سوري - قائد دبابة) وبالمتفجرات المربوطة حول عنق الاسرى (افغانستان - ضد معتقلين من طالبان) الى أساليب عدة أراد منها التنظيم جذب الأنظار الاعلامية من خلال وحشية متجددة تصدم المُشاهد وتترك انطباعاً دائماً بغية الإكثار من الحديث عن أعمال داعش - سلباً او ايجاباً بحسب المتحدث وخلفيته - ليأتي بالهدف المنشود، ألا وهو نشر اسم ما يسمى «الدولة الاسلامية» الى أقاصي الارض.

وفي العودة الى الارهابي بو هلال، فان فكرة قيادة شاحنة لدهم جموع غفيرة لم تأتِ بين ليلة وضحاها بل من خلال تخطيط دقيق وبارد يتطلّب عقلاً يفكر كيف يضرب داخل القارة العجوز (اوروبا) وغيرها، بعيداً عن الأضواء لتكون له خلايا متعدّدة غير متّصلة تبحث عن الضحية الاولى اي منفّذ العملية المتحمس لفعل شيء ما ومستعدّ للموت من اجل قناعة ولو حديثة من دون ان تكون له خلفية دينية متشددة او سجلّ إرهابي يضعه تحت مجهر الأمن.

وكذلك يتطلب البحث عن الهدف، وجود حدَث عام يعرف المخطّط، كما في حالة «نيس»، انه يترافق مع تجمُّع يقام في يوم 14 يوليو من كل سنة على «البروموناد دي انجلي» (شارع نزهة الانكليز). الا ان من المنطق ألا يكشف المخطّط الأساسي نفسه أمام المنفّذ كي لا ينكشف أمره بحال تردد هذا المنفّذ وقُبض عليه قبل التنفيذ او جُرح أثناء التنفيذ. ولهذا ثمة حاجة الى وسيط ومدرب - غير المخطط الاساسي - ليواكب بو هلال ويهتمّ به عقائدياً وفي شكل متواصل ليتأكد من جهوزيته ويطلعه في اللحظات الاخيرة على وجهته. وهذا ما حصل في اليمن اثناء تفجير انتحاريين داخل مسجد في صنعاء في مارس 2015 حيث قُتل اكثر من 130 شخصاً، وحينها أُعلم الانتحاريون بوجهتهم يوم الخميس مساءً، اي ليلة التفجير، بحسب المراسلات التي كشفها اعضاء من «داعش» بعد العمل الارهابي، وآنذاك لم تكن هناك ضوابط او «الحسبة تويتر» التي أنشأها التنظيم للحدّ من التسريبات التي كان يتباهى بها افراد هذا التنظيم في بداية مسيرته وما تلى إعلان الخلافة منتصف 2014.

وهذا ان دل على شيء فهو يأخذنا الى عمليات أخرى ستتوالى في اوروبا، في مناسبات كبيرة او أحداث صغيرة لان تغيير أسلوب داعش «تكتيكي»، الا ان ما يحتفظ به هو الاستراتيجية الثابتة القائمة على ان اسم هذا التنظيم يجب ان يبقى يتردد على الاعلام دائماً، ما يتطلب عمليات ارهابية متواصلة من دون ان يكون عامل الزمن مؤشراً أساسياً (الوقت بين عملية واخرى).

والعامل الآخر الذي غيّره «داعش» هو تعامُله مع الخبر. فلم يعد التنظيم في الأسابيع الماضية يعلن في بيان مسؤوليته عن اي عملية إرهابية حصلت في اوروبا، بل يكتفي (لغاية الآن) باستخدام مؤسسته الإعلامية المتصلة بالتواصل الاجتماعي «أعماق» ونشر الخبر عبر اذاعته «البيان» ليعلن ان منفذ عملية «نيس» الفرنسية وكذلك منفذ عملية فورزبورغ الالمانية (الافغاني الذي طعن خمسة اشخاص على متن قطار) هم «جنود الدولة الاسلامية» حسب «مصدر امني في الدولة»، من دون استبعاد ان يتضمّن إصدار مجلة «دابق» التالي معلومات أكثر عن منفذي العمليات الانتحارية في اوروبا.

ويُعتبر تغيير «داعش» أسلوبه الاعلامي والتنفيذي وتقوقعه على نفسه مؤشراً الى اتجاهه نحو اسلوب عمل العصابات الممزوج بعمل منظمات كبيرة تهيئة للعمل الأكثر تواضعاً والأقل بروزاً، وهو ما سيصّعب أكثر فأكثر عملية تحليل ودراسة هذا التنظيم من اختصاصيي مكافحة الارهاب والاجهزة الامنية المعنية مباشرة بمتابعة واستباق عمل «داعش».

ان «داعش» يتقهقر في العراق ويخسر المدينة تلو الاخرى وكذلك الحال في سورية وليبيا. الا ان الارهاب يبقى ولا يُهزم كلياً بل من الممكن إضعافه ومحاصرته للتخفيف من خطره وأثره التدميري على المجتمعات. ولذلك يتطلب هذا الأمر الصعب تعاوناً استخباراتياً بين جميع الدول المعنية وتجفيف منابع المال والمتموّلين. لكن ضرب الارهاب عملية صعبة ومعقدة تتطلب أجيالاً بأكملها لغسْل الأفكار المتطرفة التي أوصلت لإنتاج منظّمات إرهابية تتعاظم لتسيطر على أراضٍ بحجم الدول الكبرى وتخرج عن سيطرة الجميع، وتتخذ شكلاً ومنحى لا يستثني أحداً بعد اليوم.

ولهذا فإن أراضي القارة العجوز سترتعد من جديد و«داعش» على الرغم من خساراته الحالية والمتتالية، سيضرب من جديد، وليس هذا دليل قوة او ضعف بل حالة يجب التعايش مع إرهاصاتها ونتائجها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي