مسألة وقت

قد قيل لي يوماً:
لا تحزني لو سقط قناع، أو انكشف زيف، أو ظهر وجهٌ سيئ، أو طفت على السطح حقيقة أحدهم المُرّة، ذلك الأحد الذي كنتِ تخالينه ملاكاً. بقدر الإمكان، حاولي ألا تضيقي لو أساء إليكِ من أحسنتِ إليه، أو أخطأ بحقك من لم تخطئي بحقه، أو نكر طيبك من غمرتيه به ومنحتيه كل جميل -من كل قلبك- على حساب وقتك وأيامك وطاقتك.
كنت أستمع.. دون أن أنبس ببنت شفة، بادية علي جداً كل علامات عدم الاكتراث وحجب تأثير ما أسمع.

كانت التكملة:
لماذا؟
لأن كل ذلك «مسألة وقت».. فحين تكونين في وسط العاصفة، في عز الصدمة وفي غمرة الانفعال وتحت سلطة العاطفة، لن تتمكني من رؤية الأمور بصواب ولن تستطيعي تقييمها بشكلٍ سليم، وقد تندمين لاحقاً.
لم أنطق إلا بحرفٍ غاضب،، قلت: ف؟
كانت الجواب:
اصبري، اهدئي، تفكري، وأعطي الأمر حقه، وستفهمين الكثير لاحقاً وستتصرفين بعقلٍ ومنطقٍ سليم.
- لكن..
لأني «وقتها» كنت في وسط العاصفة فعلاً، سمعت الحديث وكأنني لم أسمعه، وكأنه كان موجهاً للكرسي الذي أجلس عليه. وللأسف لم أستطع إلا أحزن أو أضيق وصدمتي حديثة الولادة. قررت الاكتفاء بالسكوت والتجاهل والابتعاد وقلبي مثقلاً، لأعطي الوقت مهلته ليبين لي كل شيء.
مرت الأيام، الأسابيع، الشهور، حتى انطفأت عاطفتي وبُتّ قادرة على وزن الأشياء بعقلي.. ووصلت إلى قناعة:
الحياة رحلة، والعمر محطات.. كمثل القطار الذي يقف بمحطة فينزل منه البعض ويركبه البعض الآخر؟ حياتنا هكذا تماماً. بعض الأشخاص سنون عمرنا القادمة ليست مكانهم، وكما خسرناهم سنكسب غيرهم. هل وقف القطار يوماً لأن أحدهم غادره ولم يعود؟ لا. لذلك، حياتي لن تقف أبداً.
وأيضاً، كمثل الشجر كيف يبدل أوراقه. التجديد صفة أساسية لاسيما إذا ذبل شيء ومات رغم إنك حاولت أن تداريه وتحافظ عليه. هل مات الشجر يوماً لأن ورقة واحدة قد ذبلت؟ لا. لذلك، لن أموت بخريفٍ موقت طالما ربيع الحياة ينتظرني.
بعد ذلك كله. عرفت كيف أنام هانئة وأنا أعلم علم اليقين بأنه لن يدوم إلا الصادقون والمخلصون والذين يحبون فعلاً. أما البقية: إلى سلة مهملات الذكريات والحياة.