No Script

القوات الأميركية في التنف مُحاصَرة على الجانبين السوري والعراقي

طهران تتحدّى واشنطن في العراق والعبادي لم يعد مرشحها المفضّل

u0627u0644u0639u0631u0627u0642u064au0648u0646 u064au062du062au062cu0648u0646 u0639u0644u0649 u062au0631u062fu064a u0627u0644u062eu062fu0645u0627u062a u0627u0644u0623u0633u0627u0633u064au0629
العراقيون يحتجون على تردي الخدمات الأساسية
تصغير
تكبير

مقتدى يحاول ايجاد هالة وشخصية لنفسه ليَبرز ويأخذ دور المرشد السياسي المقبول والأعلى في العراق

نجح العبادي الى حد ما في استيعاب غضب السكان الذين خرجوا إلى الشوارع

قادة السنّة والكرد للمبعوث الاميركي: كلا... كلا لمقتدى والعبادي

ويبقى السؤال الأهم: مَن سيكون الفائز...  إيران أم أميركا؟


لم تستعِد «بلاد ما بين النهرين» استقرارَها رغم نهاية «داعش» الذي احتلّ ثلث العراق العام 2014 وسيطرة الحكومة العراقية على الأراضي والمحافظات كافة.
فقد خرج الناس الى الشارع في العديد من المحافظات الجنوبية والعاصمة بغداد احتجاجاً على نقص الخدمات الأساسية الذي تعانيه البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن.
بالاضافة الى ذلك، ورغم اتفاق الأحزاب حول نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة (لم تُعلن بعد النتائج النهائية رسمياً)، إلا ان اختيار رئيس الوزراء القادم لن يكون سهلاً. ولكن هذا ليس كل شيء: فرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي لم يعد المرشح المفضّل لإيران، إلا أنه مدعوم بقوة من الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، ما يجعل الصراع يشتدّ بين إيران وأميركا. ويبقى السؤال الأهم: مَن سيكون الفائز إيران أم أميركا؟ وكلاهما مصمّم على عدم الخسارة ويستخدمان كل الوسائل المتاحة لدعْم مرشح كل طرف.
ونجح العبادي الى حد ما في استيعاب غضب السكان الذي خرجوا الى الشوارع وتظاهروا بسبب نقص فرص العمل وعدم وجود مياه عذبة في مدينة البصرة الجنوبية الغنية، وبسبب انقطاع الكهرباء المنتظم في الطقس الحار في جنوب العراق ووسطه. وقد ثار هؤلاء ضدّ الفساد الساحق الذي تعانيه البلاد منذ الاحتلال الأميركي العام 2003.
لكن بعض المتظاهرين قاموا بالتعرّض للمؤسسات العامة ومطار النجف وأحرقوا متاجر خاصة ومنازل تابعة لبعض أعضاء البرلمان والمنظمات المحلية. وقد برّر هذا الأمر تدخّل الأجهزة الأمنية التي ألقت القبض على العديد من الأفراد.
وعيّنت الدولة العراقية أماكن محددة للمتظاهرين لتمكينهم من التعبير عن مطالبهم. وقد فتحت الأجهزة الأمنية جميع الطرق المغلقة بما فيها الطريق بين البصرة والكويت.
وتتميّز مدينة البصرة بأنها غنية بالنفط، اذ انها عائمة على حقل نفطٍ عملاق يُعدّ الأكبر في العالم لموارده الوفيرة من النفط والغاز. وتُنْتِج البصرة ما متوسطه 3.2 مليون برميل في اليوم (ب/‏‏‏ي) ومنها يصدَّر نحو 4.6 مليون برميل يومياً عبر مينائها الجنوبي. ويحتوي حقل الرميلة وحده على أكبر حقول البصرة (340 بئراً نفطية) وأرقى أنواع النفط في العالم. ومع ذلك، ورغم ارتفاع عائد النفط في جنوب العراق (البصرة، ذي قار، ميسان، المثنى وواسط)، إلا أنه لم يتم عمل الكثير لسكانه الذين ما زالوا حتى اليوم يعانون غياب الخدمات الأساسية.
وباع العراق 3.84 مليون برميل يومياً في يونيو وزادها الى 4.5 مليون يومياً في الشهر نفسه، وسيبلغ 4.7 مليون برميل يومياً في يوليو الجاري حتى لو حدّدت منظمة «أوبك» سقف 4.35 مليون برميل يومياً للعراق. فالأحزاب السياسية في بلاد ما بين النهرين تدعو الى فصل نفسها عن «اوبك» والانتقال الى إنتاج يومي غير محدد. ويحتاج العراق الى الكثير من المال والاستثمارات بسبب إنفاقه المليارات لهزيمة «داعش» في الأعوام الأربعة الأخيرة.
ويفتقر جنوب العراق، رغم ثروته من النفط والغاز، الى الكهرباء. اذ تتلقى البصرة ومحافظات أخرى الكهرباء من إيران التي قدّمت إمدادات احتياطية من الميغاوات الى العراق منذ 2012: اذ تزوّد مدنية خرمشهر الإيرانية، البصرة، والكرخة تزوّد العمارة، ومير سعد تزوّد محافظة ديالي، وسربيل زهاب تزوّد خانقين.
وقد عانى العراق نقصاً في الطاقة الكهربائية منذ العام 1990. أما بعد الغزو الأميركي، فقد تَسبب الفساد داخل الحكومة المركزية وكذلك العديد من الهجمات الإرهابية على المنشآت الكهربائية في زيادة كبيرة بانقطاع التيار كل يوم من 8 ساعات إلى 20 ساعة. وتصل درجة الحرارة الى 51 درجة مئوية (عشت شخصياً في العراق لسنوات عدة حيث وصلت الحرارة دخل المنزل الى 49 درجة مئوية. وينام السكان على السطوح لبضع ساعات فقط بعد منتصف الليل).
إلا أن إيران أوقفت تزويد العراق بنحو 200 ميغاوات من إمداد الكهرباء بعدما بلغت الديون الكهربائية المتراكمة عليه نحو مليار دولار.
هنا تبدأ المشكلة والصراع:
دَفَعَ العراق 100 مليون دولار من أصل مليار من الديون المُتَراكِمَة لمصلحة إيران، لكنه يحاول الاختباء خلف العقوبات الأميركية. وفي ظلّ حكم العبادي، يودّ رئيس الوزراء الالتزام بالتدابير الأميركية الأحادية، وسط تقديراتٍ بأن الولايات المتحدة تحاول استبدال الإمداد الإيراني بالكهرباء عن طريق تشجيع دول مجاورة على دعم العراق في احتياجاته الأساسية وفي تطوير البنية التحتية لتمكين العبادي من النجاح، وتالياً دفْع إيران بعيداً والحدّ من نفوذها.
وبالفعل، فقد بذل سفراء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وكذلك المبعوث الاميركي الرئاسي الخاص بريت ماكغورك قصارى جهدهم لإقناع دول عدة بضرورة دعم العبادي ومقتدى الصدر وتعزيز دورهما ليتمكّنا من اكتساب السلطة في الحكومة الجديدة، ويقفا ضدّ إيران وحلفائها في العراق، في حين انطوى طلب تزويد العراق بالكهرباء على هدفٍ ضمني هو الحؤول دون دعم الاقتصاد الإيراني.
«لقد زارَنا المبعوث الاميركي بريت ماكغورك في بغداد وطلب منا دعْم السيد مقتدى وحيدر العبادي والانخراط في ائتلاف موحّد لإعادة انتخاب رئيس الوزراء الحالي. وأجبْناه أننا لن ندعم مقتدى لأنه لا يمكن التكهّن بأفعاله ولا يمكن الاعتماد عليه. ان سياستكم في العراق لم تكن يوماً ناجحة، وخياراتكم لم تصبّ في مصلحة البلاد يوماً». هذا ما قالتْه أعلى سلطة سياسية سنية في العراق لـ «الراي» والتي تحدّثت عن إصرار واشنطن على سياستها.
وعلى ما يبدو - تقول المصادر - لم تعجب هذه الإجابة غير المتوقَّعة المبعوث الأميركي. وعندما لم يلتزم القادة العراقيون السنّة «بتوصيات أميركا» هدّدهم بنتائج سلبية، حسب المصادر نفسها، مضيفةً: «أَخْبَرْنا المبعوث بريت أن التهديد لن ينفع ولن يتسبب بأي تعاون من جانبنا وسيؤدي الى نتائج سلبية للجميع».
 ولم يكن السنّة الوحيدين الذين رفضوا دعْم مقتدى والعبادي. إذ زار المبعوث الاميركي كردستان وتلقى الإجابات نفسها من القادة الكرد: «كلا... كلا لمقتدى والعبادي». وذهبتْ أميركا الى الزعماء الشيعة، وخصوصاً الى السيد عمار الحكيم الذي يبدو أنه أكثر مرونة من الجميع ويتعاون مع واشنطن وسياستها في العراق.
ويبدو أن فرص العبادي في تجديد ولايته لأربع سنوات أصبحت أقلّ. فإيران وحلفاؤها - أو ربما الأفضل القول الأحزاب المعادية لأميركا في العراق من السنّة والشيعة والأكراد - لهم الكلمة الأقوى اليوم.
لقد كان هناك زمن قريب اتفقت إيران وأميركا على المرشح نفسه (العبادي). لكن الأمور تبدّلت عندما أعلنت اميركا الحرب الاقتصادية على إيران لشلّ قدرتها وإخضاع «الجمهورية الاسلامية» وضرْب اقتصادها وعملتها المحلية وعلاقاتها التجارية مع الخارج. وسيشتدّ الحصار والصراع في أغسطس ليبلغ الذروة في نوفمبر المقبل.
ولهذا السبب بالذات فإن إيران لن تقبل بالرضوخ لوجود حكومة معادية لها في العراق، وكذلك أميركا لن تستسلم وتعطي العراق لإيران أو تتركه على الحياد لأن بغداد تشكل خطراً على التدابير الأميركية الأحادية ضد ايران. اذ يمكن لحكومة بغداد مساعدة إيران على بيع نفطها وزيادة التبادل التجاري مع طهران، الأمر الذي يمكن ان يفسد خطة ترمب بإخضاع إيران للولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، تشعر الولايات المتحدة بعدم الارتياح إزاء القوات العراقية، «الحشد الشعبي»، الذي أنشىء العام 2014 لمحاربة «داعش». ويُتهم «الحشد» خطأ بخضوعه لإيران رغم وجود مجموعات تدعم السياسة الإيرانية الرافضة للأحادية ولهيمنة أميركا وتَدخُّلها في الشرق الأوسط. وقد اتخذ «الحشد» مواقع له على طول الحدود بين العراق وسورية.
وفي 18 يونيو الماضي، قصفت الطائرات الاسرائيلية المقرّ الرئيسي للقوات الأمنية العراقية ودمّرته لوجوده على الحدود مع سورية (من دون اعتراض بغداد). ويتمرْكز «الحشد» على طول الحدود لمراقبة تحركات «داعش» خصوصاً لتواجده في المنطقة الخاضعة لسيطرة أميركا في شمال شرقي سورية. ولا تسمح القوات الأميركية لأي قواتٍ سورية او عراقية برية بمهاجمة وملاحقة «داعش» في الأراضي التي تتواجد فيها، وهذا ما دفع «الحشد الشعبي» الى:
1 - إطلاق تهديد واضح للقوات الأميركية واعداً بالردّ على الضربة التي تلقتْها قوات «الحشد» والتي تَسببت بمقتل 24 من أفراد الأمن العراقيين. ويَعتبر «الحشد» أن أميركا تسيطر على سماء المنطقة، وبالتالي من غير الممكن ان يحصل اي هجوم اسرائيلي من دون موافقتها. وستحتفظ القوات العراقية بحقها في الانتقام اذا تغيّر ميزان القوى في بلاد ما بين النهرين واذا قرّرت الحكومة في بغداد ان تقف الى جانب واشنطن وضدّ طهران.
2 - اتّخاذ قرار بإحاطة وتطويق المنطقة بأكملها حيث يتواجد «داعش». بالاضافة الى ذلك، فقد دفع «الحشد» بقواته - بالاتفاق مع الجيش السوري في المقلب الآخر - لمحاصرة وتطويق القاعدة الأميركية الموجودة على معبر التنف للحدّ من حركة هذه القوات على الأرض.
وكانت القوات الأميركية فرضتْ دائرة أمان عرضها 50 ميلاً دائرياً حول قاعدتها على الحدود. ومردّ ذلك استشعارها بأنها غير مرغوب فيها وانكشاف ان احتلالها لهذه النقطة لا يهدف إلا الى منْع التبادل التجاري بين سورية والعراق، اذ لا وجود لـ «داعش» حول المعبر، ولكنه يستفيد من الحزام الأمني الأميركي ليضرب في العراق وسورية.
أما قادة «الحشد» فهم على قناعة بأن أميركا تريد إقامة قواعد عسكرية إضافية في العراق وبالأخص بين حدود البلدين. وتَعتقد القوات العراقية أنها تستطيع صدّ أي هجوم لـ «داعش» في المستقبل، وبالتالي فهي لا تحتاج لقاعدة أميركية بل لتبادُل الخبرات والمعلومات الاستخباراتية ومحاربة الإرهاب.
في ظروفٍ عدة أراد العبادي إزاحة نائب رئيس «الحشد» جمال جعفر محمد علي الملقب بأبو مهدي المهندس. نعم انه رجل مُخْلص لأهداف إيران ويتوافق مع سياستها المعادية لأميركا.
غير ان رئيس الوزراء العراقي لم يعد في موقعٍ يحتمل ردة فعل ضدّ «الحشد» وابو مهدي بالذات الذي يحظى بشعبية داخل بعض التنظيمات العراقية. ولهذا السبب زار العبادي مقرّ «الحشد» الرئيسي والتقى المهندس لنفي هذه «الاشاعات» (في الوقت الراهن). ومن المعروف اليوم لدى صانعي القرار ان الولايات المتحدة قبِلت على مضض دور «الحشد» وإدراجه ضمن القوات الأمنية، إلا أنها لا تزال ترى أن إزاحة المهندس ضرورية.
أميركا في «مصارعة» دائمة مع إيران في بلاد ما بين النهرين وفي بلاد الشام... فهي تحاول ان تقلل من نفوذ إيران في الشرق الأوسط لتحاصرها مع دخول الحظر الشامل عليها نهاية هذا العام.
وقد وافقت اميركا حتى على الترويج للسيد مقتدى، وهو المسؤول عن مقْتل العديد من الجنود الأميركيين خلال احتلالهم العراق بين 2003 و2011. وهذا فقط لأنه كسب نقاطاً جذبت أميركا عندما عبّر في مناسبات عدة عن رفْضه لسيطرة إيران ونفوذها في العراق ولانه زار دولاً لا تتفق مع طهران.
أما واقعاً فإن السيد مقتدى ليس مؤيداً لأميركا ولا لسياسة دول الجوار، ولكنه يحاول ايجاد هالة وشخصية لنفسه ليَبرز ويأخذ دور المرشد السياسي المقبول والأعلى في العراق. ومع ذلك فهو - ورغم شعبيته التي ورثها عن والده - لا يتمتّع بكاريزما بل يخشاه الجميع من خلال ممارساته، وهو يوجّه جماعته من «سرايا السلام» نحو التظاهر والتسلّط و«شدّ أذن» رئيس الوزراء باقتحام المباني الحكومية عندما يريد إعادة تسليط الضوء عليه، وهذا ما يجعل منه شخصاً يتمنى الجميع الا يكون عدوّاً له ولا صديقاً.
وقد لجأ مقتدى في مناسبات عدة الى إيران خلال الاحتلال الأميركي للعراق، وقد موّل تنظيمه في السنوات الأولى (2004 - 2010) قائد الحرس الثوري الايراني - لواء القدس اللواء قاسم سليماني. وهو لا يزال يلتقي به - كما حصل منذ زمن قريب - اذ استقبل السيد مقتدى اللواء سليماني في منزله وطلب منه عدم عزْله عن التكتّلات الشيعية اذا اتفقت كلها في ما بينها.
وهناك احتمال كبير حتى اليوم لقيام «تحالف الضرورة» بين مقتدى والعبادي ومعهما السيد عمار الحكيم مقابل «تحالف المواجهة» الذي يضمّ المالكي وهادي العامري. وبدأت حظوظ العبادي تتقلّص بشكل جدي ليتمّ التداول باسميْن لمركز رئيس الوزراء الجديد: العامري (الأقل حظاً) وفالح الفياض قائد «الحشد».
لم تُقَل الكلمة الأخيرة بعد، ولكن من المتوقع ان تتضح في أواخر فصل الصيف الحار مع نضوج التمر العراقي الذي يستغلّ حرارة الصيف العالية. مَن سيفوز؟ هل ستفوز أميركا وجيران العراق بدعم العبادي؟ أم تنجح إيران بجذْب ودعم مرشحين بعيداً عن مدار أميركا؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي