No Script

«داعش» يضرب إيران ليَتمايز عن «القاعدة» ويستقطب متطوّعين

تصغير
تكبير
سيحاول استهداف مواقع متعددة بشكل متزامن خلال المرحلة القريبة المقبلة
حرص تنظيم «القاعدة» لسنواتٍ عدّة على تَجنُّب ضرب إيران منذ أيام وجود أسامة بن لادن على رأس التنظيم. واتّبع السياسة عينها خلَفه أيمن الظواهري لأسباب عدة. إلا أن لـ «داعش» موقفاً آخر أراد فيه التمايز عن «القاعدة» لإظهار «ضعفها» أو «تواطئها» ولجذْب المتطوّعين لصفوفه وخصوصاً أن هذا التنظيم في انحدارٍ حقيقي في الشرق الأوسط. وقد تعمّد «داعش» ضرب إيران مستغلاً الظرف الراهن حيث يتّجه الشرق الأوسط لمعاداتها بدعمٍ أميركي (وليس غربياً لأن لأوروبا موقفاً آخر).

استطاعتْ إيران جذْب قادة وأفراد «القاعدة» اليها لتقدّم لهؤلاء سجناً من ذهب حيث وفّرت لهم الملجأ والمكوث على أرضها لسنوات طويلة. إلا أن أكثر هؤلاء كانوا شبه رهائن ضمن الإقامة الجبرية. وقد استخدمتْ إيران أفراد وقادة «القاعدة» لتبادل رهائن لها وفرْض بعض شروطها ومفاوضة قادتها في الخارج لترضخ «القاعدة» لها وتمتنع عن تنفيذ عمليات إرهابية ضدّها خوفاً من انتقام إيران من قادتها «المحتجَزين» ضمن حدود الجمهورية الإسلامية.

وجمعت إيران التضاد الايديولوجي مع «القاعدة» التي تنادي بضرب «الصفويين الرافضة»، إلا أنها - أي إيران - استطاعتْ أن تقدّم أرضاً لا تستطيع أميركا أن تطال «القاعدة» فيها. ومن مصلحة إيران ان تُبقي «القاعدة» نضالها ضدّ أميركا التي جمعت الأعداء الايديولوجيين تحت راية واحدة: محاربة «الشيطان الأكبر».

وعند صعود نجم «الدولة الاسلامية» (داعش)، أفرغ ناطقها الرسمي حينها ابو محمد العدناني ما في جعبته متّهماً أيمن الظواهري بأنه أصدر تعليماته بالابتعاد عن ضرب إيران وأهداف داخل الجمهورية الإسلامية. وقد أراد «داعش» بذلك إظهار «عورة» «القاعدة» وابتعادها عن الخط الايديولوجي الذي يأمر السلفية الجهادية بمحاربة «الروافض» (أي الشيعة) كأولوية قصوى. إلا أن «القاعدة» تميّزت عن أسلوب «داعش» حتى عندما كانت في المهد تسمى «القاعدة في العراق» حيث كتب أيمن الظواهري الى أحمد فاضل نزال الخلايلة (ابو مصعب الزرقاوي) حين قال له (برسالة حصلت عليها أميركا): «هل استطاع أحد في تاريخ الإسلام القضاء على الشيعة؟»، طالباً منه استهداف القوات الاميركية المحتلة للعراق وليس مسلمي العراق ليربح «العقول والقلوب» من المجتمعات العراقية كافة من دون تمييز بين مذهب وآخر. إلا ان الزرقاوي رفض النصيحة - لحسن حظ العالم العربي وإلا كان استهداف القوات الأميركية وحّد الأطياف العراقية الى جانب «القاعدة» - وبدأ معركته مع شيعة العراق، لينقلها خليفته «الخليفة ابو بكر البغدادي» الى سورية ولبنان وإيران.

طبعاً لم يكتفِ البغدادي بضرْب الشيعة: فعلى الرغم من تدمير البنية التحتية للعراق وسورية والقضاء على أكثر ممتلكات السنّة في العراق وسورية بجذْبه الحرب الى مناطق السنّة وخوض الحروب في معاقل السنّة وبين منازل السنّة، هجّر هؤلاء ودَفَعهم الى حال اليأس المادي والمعنوي بحيث لن تقوم لهم قائمة في بلاد ما بين النهرين. ولم يكتف البغدادي، بل توجّه الى ضرب الكويت والمملكة العربية السعودية ووجّه بندقيته نحو الغرب وآسيا. وآخر ضرباته - وليس أخيراً - هي عملية إيران التي نجح فيها «داعش» بالدخول الى المبنى الملاصق للبرلمان الإيراني في طهران.

استغلّ «داعش» الجوّ المشحون والمعادي لإيران في المنطقة وخصوصاً بعد الحملة التي قام بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب لجمْع أكبر رقم مالي لم يستطع أي رئيس قبْله جمْعه. وبهذا الاستغلال للجوّ الحالي، ضرب «داعش» ونجح بخرق التدابير الأمنية الايرانية، مع العلم ان الذي حصل في يونيو الجاري لم يكن جديداً. اذ قالت مصادر أمنية في إيران أن «داعش» حاول مرّات عدة ولم ينجح بضرب أهداف له في طهران وأن أكثر محاولاته باءت بالفشل، تماماً كما حصل في عواصم عربية وأوروبية مختلفة.

هل سيضرب «داعش» من جديد داخل إيران؟ بالتأكيد سيحاول ضرب أهداف متعددة متزامنة ومنفردة وخصوصاً في المرحلة القريبة المقبلة لأن هذا التنظيم لا صبر لديه ويعتبر ان المثابرة - بدل التريث وأخْذ العِبر من أخطاء الماضي والتجهيز من جديد للتمكين - والإسراع والاستمرار بالضربات المنظّمة او الفردية أمر مهمّ لتوجيه رسالة لمناصريه بأنه - على الرغم من خسارته الارض في سورية والعراق - لم ينتهِ ولا يزال قادراً على توجيه الضربات اللازمة لأعدائه.

إذاً، فإن «داعش» لن «يموت» بسهولة لأن الإرهاب لا يموت بل يتقلّص ويتمّ احتواؤه. و«داعش» بالتحديد الذي «أَلْهَمَ» عشرات الآلاف من المتطوّعين، لن يستسلم بسهولة ويرى قضيته بمعاداة العالم أجمع. فها هو لا يزال يشنّ الهجوم الاعلامي ويعادي تنظيم «القاعدة» حتى وهو في الرمق شبه الأخير في العراق وسورية. ومن الطبيعي ان يبحث «داعش» عن أرض أخرى - أفغانستان أو اليمن أو افريقيا - لينطلق منها مجدداً ويُثبت للعالم انه... باقٍ.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي