No Script

أصبوحة

قوة الفكر

تصغير
تكبير

يقول عالم الطب ابن سينا «إن قوة الفكر قادرة على إحداث المرض والشفاء منه»، وإن للفكر قوة مؤثرة ليس على جسم الفرد نفسه فقط، بل على أجسام الآخرين أيضاً، وقد أخذ الغرب بعد قرون طويلة هذا الرأي وطوروه.
فأين تكمن قوة الفكر؟ هناك جوانب عدة لتأثير الأفكار، منها تغيير قناعات الآخرين، مثل خطب الزعماء والقادة ذوي التأثير الكارازماتي، فهتلر بقوة فكره الذي جسده بالكلمات، استطاع أن يحشد شعبه من أجل الحرب، بينما رئيس وزراء بريطانيا السابق ونستون تشرشل، استطاع بقوة فكره أن يغير موقف مجلس الشيوخ، من حالة الموافقة على الاستسلام، إلى حالة الحماسة من أجل الدفاع حتى آخر رمق عن بريطانيا.
هناك قوة كبيرة تتمثل بالإيحاء، وهو ما قصده ابن سينا، فللإيحاء قوة قد تكون مميتة وقد تكون شافية أو تبث الضعف والقوة في الإنسان، فإذا ما قلنا لشخص إن وجهك شاحب وتبدو مريضاً، فسيشعر بذلك والعكس صحيح.


والإيحاء يأتي من إمكانيات بشرية مثل قوة التركيز واستخدام الخيال سلباً أم ايجاباً، وقد عكس الأدب العالمي عبر عصور لقوة الإيحاء، وأفضل مثال لذلك هو مسرحية شكسبير «ماكبث»، الذي قالت له ساحرات ثلاث إنه سيصبح ملكاً وإن من يقتله لم تلده أمه، وعندما صدقت نبوءة الساحرات وأصبح ملكاً، ربط ذلك مع النبوءة الثانية، وهي أن من يقتله لم تلده أمه، فقال مكبث لنفسه: لا يوجد إنسان لم تلده أمه، إذاً لن يستطيع كائن أن يقتلني وسأعيش إلى الأبد منيعاً.
تلك النبوءة جعلت منه ملكاً متسلطاً وجشعاً، فهجم على الممالك الأخرى، واستولى على أراضيها، ولقسوته انتحرت زوجته من فوق القلعة وهربت حاشيته، فضل وحيداً في القلعة، وقررت الممالك حشد كل جيوشها للتخلص من قسوة وجشع مكبث، وعندما اقتربت من القلعة، وجدوها خالية وأبوابها مفتوحة، فشكوا أنها خدعة أو كمين، فأرسلوا عشرة فرسان، ولكن مكبث الذي يسكنه إيحاء بأنه لا يموت قتلهم جميعاً، فازداد خوف الجيوش من المجهول، فأرسلوا عشرة فرسان آخرين، ولكن مكبث قتلهم أيضاً.
فخافت الجيوش وقادتها من الدخول إلى القلعة، ولكن مكبث خرج إليهم مستهتراً وهازئاً، وقال: تريدون قتلي؟ أنا من يقتلني لم تلده أمه، فسمع صوتاً من خلفه يقول: «استدر أيها الكلب، أنا لم تلدني أمي، ولكن انتزعت من بطنها انتزاعاً»، أي ولدته قيصرياً.
وحالما سمع مكبث ذلك، أصابته حالة من الذعر والضعف الكبيرين، فصعد إليه الفارس «ماكدف»، وقطع رأسه بالسيف دون مقاومة من مكبث، وهكذا فالإيحاء أعطى لمكبث قوة لا تقهر، والإيحاء أيضاً أعطاه ضعفاً كبيراً.
فكم منا لم يعش بالإيحاء؟ كل البشر يحركهم الإيحاء إما بالضعف والمرض، وإما بالقوة والشفاء، وإما بالنجاح والفشل وإما بالمحبة والكراهية والعداء، فإذا فهمنا دور الإيحاء وقوة الفكر، نستطيع استخدامهما لصالحنا وليس ضدنا.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي