No Script

مشهد / الحقيبة المدرسية ... جزءٌ من الماضي!

| u062f. u0632u064au0627u062f u0627u0644u0648u0647u0631 |
| د. زياد الوهر |
تصغير
تكبير
هذا حلم يراودني كثيرا وأتخيل فيه أن ابني الطالب يذهب لمدرسته حاملاً فقط مقلمة وحقيبة صغيرة لطعامه، وأما كتبه ودفاتره فيحتفظ بها في خزانته الخاصة في المدرسة ويعود لبيته من دونها بعد أن يكون قد أدى كل فروضه وواجباته في المدرسة. حلمٌ ليته يصبح حقيقة، ولكنه للأسف وهْمٌ من نسج خيالي الذي يجنح كثيرا، والذي هو على ما يبدو نتاج طبيعي لآمال أحب أن تتحقق لأولادي وأولاد غيري من طلبة المدارس الحكومية والخاصة.

والسؤال المطروح مع بداية كل عام دراسي ومنذ عقود: متى تصبح الحقيبة المدرسية جزءا من الماضي؟ مثلها مثل الطباشير واللوح الأسود والتي أصبحت من الماضي وصرنا نتندر بها كنادرة في أيامنا هذه، وخاصة مع التطور التقني والحضاري الذي اجتاح العالم بسرعة هائلة لم تجاريه فيها لا المنظومة التعليمية ولا ملحقاتها.

فمع بداية كل عام دراسي تقوم وزارة التربية مشكورة بمدارسها المختلفة في القطاعين الحكومي والخاص بتزويد الطلبة بكتبهم في اليوم الأول أو الثاني على أبعد تقدير والتي يزداد عددها؛ أي الكتب، بتناسب طردي مع ارتقاء الطالب للمرحلة التالية حتى وصل عدد الكتب في بعض المراحل إلى أكثر من 20 كتاباً. وبعملية حسابية بسيطة جدا لنفترض أن كل مادة معها دفتر واحد فقط فبالتالي سيكون لدى الطالب 40 دفتراً وكتاباً على الأقل. هذا لكل المواد؛ ولكن لسبع حصص يوميا سيكون مجموع ما يحمله 14 قطعة على الأقل تزن مع بقية أغراض الطالب ما يقارب 11 كيلوغراماً للطالب في المرحلة الثانوية. ووفق الدراسات العالمية يجب ألا يزيد وزن الحقيبة على ظهر الطالب أكثر من 10 في المئة من وزنه. ولكن هذا ليس هو الواقع؛ فأوزان الحقائب المدرسية الممتلئة التي يحملها أبناؤنا في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة يتجاوز وزنها نسبة العشرة بالمئة بكثير. هذه الحقيبة التي يحملها الطفل لما يقارب ساعة كاملة يوميا على ظهره قد تؤدي إلى مشاكل في عظامهم اللينة التي لا زالت في طور النمو، ويوما بعد يوم ستتنامى آثار هذه المشكلة حتى يصاب الطفل بالعديد من الأضرار في بنيته الجسدية خصوصا العمود الفقري.

ولا شك أن العديد من المهتمين في هذه القضية قد قتلوا هذا الموضوع بحثا وتحليلا وأسهبوا فيه وكتبوا التوصيات ورفعوها لأصحاب القرار ولكن الموضوع يسير ببطء شديد حتى هذه اللحظة. فمازال أولادي الثلاثة يحملون هذه الأثقال على ظهورهم كل يوم ومازال المدرس يطلب مع الكتاب كراسة الحل ودفتر الكتابة (100 صفحة) ودفتر آخر للتمارين وهكذا يزداد الحمل يوما بعد يوم فنحاول كآباء قدر المستطاع أن نحملها عنهم حتى باب المدرسة كل يوم.

وقد تكون بعض الحلول التي طرحها الخبراء التربويون جيدة وعملية ولكن لا أعرف حقيقة ما هي الموانع من تطبيقها خصوصاً ان كانت هذه الحلول عملية وقابلة للتطبيق. ولقد قرأت ذات يوم أن مملكة السويد لا يحمل فيها الطالب أي حقيبة عند قدومه من البيت للمدرسة؛ ذلك أن لكل طالب خزانة خاصة يحتفظ بها بكل كتبه ولا يغادر المدرسة في الساعة الخامسة مساء إلا بعد أن يكون قد أنجز كل فروضه وواجباته. قد يكون التأخر للساعة الخامسة مساء لدينا هنا غير عملي ولا مقبولاً لأسباب عديدة ليس هذا مكان طرحها، ولكن من الممكن أن نجعل لكل طالب خزانة يحفظ فيها كتبه وهي تجربة بدأت فعلاً وزارة التربية في دولة الكويت في تطبيقها بشكل محدود. والحل الآخر هو استعمال اللوح الإلكتروني للفصل بحيث يستطيع الطالب قراءة الكتاب من اللوح مباشرة ومع شرح المدرس وتكلفة هذا اللوح أقل بكثير من تزويد كل الطلبة بالحواسيب وملحقاتها المتعددة، فهذه قد تكون تكلفتها عالية جدا وتحتاج معها فرقا كاملة من أجل الصيانة والدعم الفني وما يتبع ذلك من عقبات لا عد لها ولا حصر.

وموضوع الخزانات المدرسية ليس جديدا فلقد تم تطبيقه بنجاح في المملكة العربية السعودية، وهو مطبق في العديد من المدارس الخاصة الأجنبية مقابل رسوم رمزية مقبولة ومبلغ تأمين يدفع مقدما من أجل أن يعيد الطالب المفتاح في آخر العام. ولا أظن أن موضوع المساحات أو الأماكن يشكل عقبة أمام تطبيق الفكرة، فمساحات المدارس الحكومية والبعض من المدارس الخاصة والحمد لله كبيرة ولا يحتاج الموضوع سوى اتخاذ القرار وتطبيقه فورا من دون تردد.

كما لا يغيب عن ذهني أن أتحدث هنا عن أسعار الحقائب المدرسية وملحقاتها والتي ارتفعت بشكل غير معقول ووصلت أسعارها لدرجة بدأت فعلا تؤثر على ميزانية الأسرة. فالأسعار قد تضاعفت مرات عدة للحقائب والقرطاسية المتنوعة التي يحتاجها الطالب في دراسته يوميا. إنها لغة السوق... أنا أدرك ذلك ولكن متى تم اقرار الحلول الجذرية لهذه المشكلة سنكون قد وفرنا على أرباب الأسر الكثير من النفقات التي ليس لها داع.

أنا لست شخصاً تربوياً ولا أعمل في هذا الحقل فذلك من مهام أهل الاختصاص، ولكني أحاول أن أعرض فكرة أب لثلاثة طلاب يواجه معهم هذه المعضلة صباح كل يوم وما أراه على أبنائي من آثار الانهاك الشديد بسبب الحقيبة الثقيلة جدا، وأتمنى فعلا أن ننتهي من هذه الحقيبة للأبد لتصبح تاريخا وإرثا حضاريا نعلمه لأولادنا في المستقبل ونسلط عليها الضوء في مدارسنا ولكن دون أن يحملها أولادنا على أكتافهم... فهل هنالك من مجيب؟

z_alweher@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي