No Script

قيم ومبادئ

مَن يحدّد هويتنا؟

تصغير
تكبير

لا يشك عاقل أننا نعيش سنوات شبيهة بسنين التيه لبني إسرائيل، حيث تشوهت هويتنا وتزعزعت قيمنا وكادت سبل الهدى والرشاد أن تُطمس.
 الهوية هي صفات الإنسان المطلقة والجوهرية التي تميزه عن غيره وقد حدّد الله تعالى، لنا هويتنا بقوله «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ».
 ومن لا هوية له لا وجود له في الحاضر ولا مكان له في المستقبل.


 وقد مرت هويتنا الإسلامية بثلاث مراحل لكل مرحلة ما يميزها:

- المرحلة الأولى مرحلة التوسط:
ويمثلها القرون الثلاثة المفضلة التي زكاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب)، وهذه مرحلة التوسط في الإسلام ويمثلها فهم السلف الصالح وتفسيرهم للدين حيث عاش سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي جنباً إلى جنب بأخوة إيمانية، كما عاش اليهود والنصارى في كنف ورعاية الدولة الإسلامية، بل برز منهم الأطباء جمعهم ابن جلجل وابن أبي أصيبعة في كتابه طبقات الأطباء وترجم لهم وكتاب الفهرست لابن النديم، حيث عاش الأطباء اليهود في قصور الخلفاء في دولة بني أمية وبني العباس وكانوا يحضرون مجالسهم.

- المرحلة الثانية مرحلة التعصب:
وتبدأ من القرن الرابع الهجري وهي مرحلة التعصب المذهبي والقبلي وأخيراً القومي حيث تقطعت أواصر الأخوة الإيمانية بين المسلمين وجرت بينهم حروب طاحنة، بسبب الأقوال الفقهية الشاذة تارة وبسبب القوميات تارة أخرى مثلما حصل في بلاد الأندلس وأدت إلى سقوطها.
 وعلى سبيل المثال ما جاء في كتاب «البحر الرائق» لابن نجيم الحنفي، لا يجوز للحنفي أن يتزوج بشافعية. ثم صدرت فتوى أخرى من فقيه آخر ملقب بمفتي الثقلين حيث أجاز تزوج الحنفي من شافعية، وعلل ذلك بقوله «تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب» كما منع الفقهاء الأحناف من الصلاة خلف إمام شافعي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قامت بين المذاهب الأربعة حروب طاحنة استمرت قروناً استحلوا الدماء والأموال والأعراض، وهذه المرحلة لا تعرف هوية المسلم إلا من خلال مذهبه وقد ذكر هذه الحوادث الحافظ بن كثير في البداية والنهاية وياقوت الحموي في معجم البلدان والخضري بك في كتابه تاريخ التشريع الإسلامي وغيرهم كثير، وختمت هذه المرحلة بالقومية العربية ودعاتها الذين استبعدوا الدين تماماً وجعلوها مجرد اللغة والوطن والمشاركة في الآمال والآلام.
 قال أنطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري 1949 «الدين لا يصلح - لهذه الأمة - إلا إذا كان الإنسان لا يزال في طور بربريته أو قريباً منها أما في عصرنا الثقافي فإنه لم يعد يصلح» المحاضرات العشر للسعادة.

- المرحلة الثالثة التفكك والتبعية:
 وبدأت مبكراً في تاريخنا الإسلامي وترجع إلى فترة دويلات الطوائف سنة 1010 ميلادي واستمرت إلى يومنا هذا وتحديداً بعد زوال الاستعمار العسكري عن الشرق، فما زال الشرق يعيش فترة ضياع الهوية وارتهن بالتبعية الفكرية والقانونية والاجتماعية لمفاهيم الدول المستعمرة الكبرى أوروبا وأميركا، وما زالت الشعارات البراقة تعلو وتخبو تبعاً لمصالح الدول المسيطرة مثل حقوق الإنسان والحريات والديموقراطية، وهي شعارات روجها الغرب عبر قنواته ومنصاته العالمية ومدارسه التبشيرية وإرسالياته، وساعده على ذلك غفلة المثقفين وعزلة المصلحين وبروز السياسيين وفاقدي الهوية، كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بضياع الهوية الأصيلة للأمة الإسلامية، وذابت معها الفوارق بين الحق والباطل والغث والسمين فتلقتها الأجيال المغتربة أصلاً عن دينها وتراثها وتاريخها، فاتسع الخرق على الراقع بسبب بروز الإسلام السياسي الذي انفلت من قواعده الأخلاقية والعقائدية والمنهجية في مقابل عجز الأنظمة والحكومات عن تحصين ورعاية النشء ويبرز السؤال التالي: فمن يجدد لنا هويتنا... ويدلنا على الطريق؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي