No Script

قيم ومبادئ

الصهيونية والنصرانية ( 3 من 3)

تصغير
تكبير

الصهيونية ترسم سياسة أميركا
انتقلت الصهيونية النصرانية إلى أميركا من خلال البيوريتانيين «التطهيريين»، حيث أسسوا ولاية ماساشوستس 1630 ومن ثم هاجر إليها أكثر من عشرين ألفاً من الأنجلو سكسون، وحملوا إليها اللغة العبرية وترجموها إلى اللاتينية ونشروا فكرة «العهد» على غرار العهد بين موسى ويهودا «الرب»
وعلى هذا الأساس يرى الأميركيون اليوم أنهم مكلفون بمهمة خاصة من الرب، كما صرح بذلك بوش الأب والابن إبّان حرب الخليج الأولى والثانية، وقدر أميركا هو تحضير العالم بمعنى استعمار الشعوب لتقديم التقدم إليها، وهذه هي النقاط الأربع عشر في خطاب الرئيس ولسون، ومبدأ تحسين العالم، كما هي أفكار كيندي وجونسون أو شعارات حقوق الإنسان التي رددها كارتر وكلينتون أخيراً.


وظهرت آثار هذه العقيدة الصهيونية في سياسة أميركا من خلال تحول نظرية العهد اللاهوتي إلى نظرية العقد الاجتماعي بمعناه المعاصر، الذي أرساه جون لوك بمعنى أن الأفراد يعقدون عقداً مع الحكومة يوافقون على الخضوع لها، مقابل حماية حقوقهم المدنية؟
كما ظهرت بوادر هذه العقيدة في صياغة الحياة الديموقراطية الأميركية، وانعكست على بقية الولايات، بحيث كانت كل مقاطعة أميركية تخضع لإبريشية معينة، وكل إبريشية تختار قسّها وترتبط جميع الإبريشيات بتنظيم كنسي يتمتع باستقلالية ذاتية وبشكل ديموقراطي من جانب أعضاء الكنيسة، ومن هنا أثرت الإبريشية على مفاهيم الديموقراطية الأميركية في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلادي.
 كما أثرت الصهيونية على السياسة الأميركية، من خلال مبدأ الفصل بين السلطات، حيث يعتقد البيوريتاريون في ازدواجية الطبيعية الإنسانية، أي السمو الروحي من جهة ومن جهة أخرى النقص منذ الخطيئة الأولى، فتولدت فكرة ضرورة الفصل بين السلطات، وأهمية الضبط والتوازن بين الكونغرس والرئاسة والبنتاغون، حتى لا يفسد النظام السياسي.
 واصطبغ العهد مع الرب بصيغة مدنية علمانية، خلال الثورة الصناعية، ليتحول إلى عقد اجتماعي بين الأفراد والحكومة، ولأنهم كانوا قساوسة أبريشيين رأوا اختيار الحكومة بشكل ديموقراطي، من جانب أعضاء الكنيسة القديسين، ولأنهم تطهيريون رسخوا في التفكير السياسي الأميركي الرؤية السلبية للطبيعة البشرية، بما فرض عليهم اختيار الحكومة المقيدة بقيود وضوابط بين السلطات.
 ولقد استطاعت الصهيونية النصرانية  مد النفوذ داخل مؤسسات صنع القرار في أميركا، حتى ترددت أصداء هذه العقيدة في خطابات الرؤساء الأوائل لأميركا بدءًا بجورج واشنطن 1789، الذي أبدى إعجابه بالطقوس اليهودية وبعث برسالتين إلى قادة اليهود أعرب فيهما عن أمله في «أن الرب الذي خلص العبرانيين من بغي المصريين وزرعهم بأرض المعاد، أن يسقيهم من ظل السماء، وأن ينعم على الولايات المتحدة التي تأسست بقدرته»، وبرسالة إلى الرئيس آدم جونز تمنى فيها أن يعود اليهود ثانية إلى أرض يهوذا فلسطين، وبعث برسالة إلى الرئيس الأميركي الذي خلفه وهو جيرفرسون قال فيها: «حتى لو كنت ملحداً وكنت أؤمن بالقدر الأعمى، لكني حريٌ بأن أؤمن بأن القدر قضى بأن يكون اليهود العامل الأعظم بجعل الأمم متحضرة».
 وأخيراً قامت محاولات عدة على يد اليهودي الأميركي موردخاي نوح، وهو سياسي وكاتب صحافي وأصبح قنصل الولايات المتحدة في تونس، وفي طريقه إليها توقف في باريس سنة 1815، حيث التقى الحاخام أباجر بجوار، الذي أخبره بفشل اليهود في فرنسا في التخطيط مع نابليون، لإقامة دولة لهم في فلسطين، وفي ما عاد إلى الولايات المتحدة أعلن نفسه كبير قضاة إسرائيل، ودعا إلى إقامة دولة لهم في «جراند أيلاند» على نهر بياجرا.

الخلاصة:
أن الصهيونية النصرانية «البيوريتارية»، وما تحمله من عقيدة، هي الفكر الرئيسي، الذي رسم خطوط الثقافة العامة الأميركية، خصوصاً لجهة اعتقادها ضرورة الالتزام بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، ورعاية تلك الدولة باعتبارها التزاماً دينياً، وهو ما يفسر لنا تخبط مجلس الأمن والأمم المتحدة، بعدم تفعيل العقوبات على الكيان الصهيوني ؟
فهل أدرك من يقتات على قضية فلسطين ماذا نحتاج لتحريرها؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي