No Script

كلمة بعد النقطة

ما الذي أخطأ فيه الهويريني؟

تصغير
تكبير

ليس سهلاً أن تجد نفسك تكتب عن شخصية يثار حولها الجدل، خصوصاً وأن هذه الشخصية ليست بعادية أو متكررة، بل وجدت لها مكاناً منعزلاً لفكرها، فجاءها النور إلى «جحرها»، وخرجت برأسها إلى هذا الزمن الذي لم يعد يستخدم عقله بالشكل الصحيح، واستغرب الناس من كمية الفراغات في عقولهم، فكانت «القفة» التي على رأسه تحمل أفكاراً ليست بغريبة لمن يستخدم عقله ويطرح تساؤلاته، وليست بفضائية المنشأ لمن يعيش على هذا الكون. إنها شخصية المفكر والفيلسوف علي الهويريني، الذي ظهر على بعض شاشات الميديا وشبكات التواصل الاجتماعي، وقد أثارني الحديث عن شخصه، وبعض ما طرح من أفكار - حالي حال كل من استمع لأفكاره للمرة الاولى - وبعد أن شاهدت اللقاء الجميل والثري، الذي أجري معه في برنامج «بالعربي» مع الإعلامي المتألق غالب العصيمي، لفتت نظري بعض النقاط التي تم طرحها وصار عليها بعض الجدل، وبما أن هذه المساحة من «العامود» لا تكفي للإدلاء بدلوي في تلك النقاط، اخترت نقطة مهمة أثير عليها الجدل، وهي عندما سأله المذيع العصيمي عن سبب توقفه عن القراءة ما عدا القرآن الكريم، فكيف إذاً يتحصل على العلم... والعلوم بحالة تطور؟
قال الهويريني: قرأت منذ كان عمري سبع سنوات إلى الأربعين عاماً واكتفيت بالقرآن و«ما لدي» ومصادر أخرى. وعندما سأله العصيمي ماهي مصادرك، قال: مصادري غير الكتب - إنها «أنت» - أن أسألك وأسأل الشجرة من الجذر إلى الثمرة وأسأل النار والطير والحجر.
ثم قال أنا أكرر دائما قول: «انهض انهض اترك كتبك وإلا يحدودب ظهرك».


ولا شك أن الفيلسوف الهويريني - في رأيي الشخصي - أنه ارتكب خطأ فادحاً، في هذه النقطة بالذات، فهو قضى أربعين سنة من عمره في التعلم والدراسة، منها الحدادة والتمثيل والسينما والدراما والشعر والأدب والسراميك ورقص الباليه والموسيقى والفيزياء والكيمياء، وعمل في الأمن العام لمدة سبعة عشر عاماً، كل هذه المواهب والقدرات وسنوات التعلم شكلت فكر وعقل الهويريني، حتى ختمها في تدبر القرآن الكريم وطرح الأسئلة والاستماع إلى الآخرين من فكر وعلم، فلولا هذه السنوات الطويلة من دراسة نظرية «الكتب» وعملية «الخبرات»، ما صنعت تلك العقلية العلمية والفلسفية.
فهو في موقع من اللقاء نفسه طرح أسماء لفلاسفة وعلماء وتحدث بشكل علمي وفيزيائي، عندما أشار إلى موضوع «الانفجار الكوني»، ومعنى انفتاق السماء عن الأرض، فكيف للهويريني أن يشرح بتلك الرموز والقوانين العلمية ويعرف أسماء العلماء، لو لم تكن له خلفية ثقافية قد عكف على قراءتها، وكيف يستشهد بأقوال الفلاسفة وغيرهم إن لم يكن قد قرأ عنهم وعن أفكارهم من الكتب، وإن كان القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يقرأه في الوقت الحالي، فلا شك سيعرف أن أول كلمة نزلت به هي كلمة «اقرأ»، والتي أخرجت الناس من ظلام الجهل إلى نور العلم.
باختصار: نحن في زمن تتطور فيه العلوم والأفكار كل لحظة، فإن لم نقرأ ونتابع ونقيم، فلن نتطور ولن تنفع «طرح الأسئلة»، التي ذكرها الهويريني مع أناس تركوا القراءة ليحافظوا على ظهورهم من الاحتداب!
هذا رأيي الشخصي في هذه النقطة، وأؤكد أنها لن تلغي مكانة فيلسوف عصرنا علي الهويريني، التي نقدرها ونحترمها، وسنظل نستمتع بما يطرحه علينا من فلسفته الجميلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي